للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [مجيء تاء التأنيث للجمع]]

قال صاحب الكتاب: وقولهم: "جمالة" في جمع "جمال" بمعنى جماعة جمالة، وكذلك بغالة وحمارة وشاربة وواردة وسابلة, ومن ذلك البصرية والكوفية والمروانية والزبيرية، ومنه الحلوبة والقتوبة والركوبة. قال الله تعالى: {فمنها ركوبهم} (١) وقرئ: "ركوبتهم" (٢)؛ وأما "حلوبة" للواحد, و"حلوبٌ" للجمع, فكـ "تمرة" و"تمر".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ هذه الصفات فيها ضربٌ من النَّسَب، وإن لم يكن فيها ياء النسب، فقالوا لصاحب الجِمال: "جَمَّالٌ"، ولصاحب البِغال: "بَغّالٌ"، ولصاحب الحُمُر: "حَمّارٌ"، وهو الذي يعمل عليها ويُباشِرها، وإن لم يكن مالِكَها. وذلك كثيرٌ فيما كان صنعة تكثُر مُعالَجتُها، نحوَ: "صَرّافٍ"، و"عَوّاجٍ"، للذي يُكْثِر الصَّرْف وبَيْعَ العاج، لأن "فَعالاً" للتكثير، وصاحبُ الصنعة مُلازِمٌ لصنعتة مُداوِمٌ عليها؛ فجُعل له البناءُ الدالُّ على التكثير كـ "البَزّاز"، و"العَطّار"، فإذا أرادوا الجمع، ألحقوها التاء، فقالوا: "جَمّالة"، و"بغّالة"، و"حمّارة"، فأنّثوا لفظه على إرادة الجماعة؛ لأنّ الجماعة مؤنّثة، فكأنّهم قالوا: "جماعة جمّالة وبغّالة وحمّارة"، ومثلُه "شارِبة"، و"وارِدة"، و"سابِلة"، فالشارِبةُ: الجماعة على ضَفَّة النهر، ولهم ماؤُه، والواردةُ والسابلةُ: أبناء السبيل، والتأنيثُ على إرادة: الجماعة الشاربة والواردة والسابلة.

وكذلك المنسوب قد يؤنَّث على إرادة الجماعة، كـ "البصريّة"، و"المَرْوانيّة"، في المنسوب إلى مَرْوانَ بن الحَكَم، و"الزُّبَيْريّة" في المنسوب إلى الزُّبَيْر، ومثلُه "الحَلُوبة"، و"القَتُوبة"، و"الركُوبة"، فإنّ الباب فيما كان على "فَعُولٍ" أن لا يُؤتَى فيه بعلامةِ تأنيث؛ لأنّه ليس بجارٍ على الفعل. ويستوي فيه الذّكَرُ والأُنثى، فيقال: "رجل صَبُورٌ"، و"امرأةٌ صبورٌ"، و"رجلٌ غدورٌ"، و"امرأةٌ غدور"، إلّا أنّهم قالوا: "رجل مَلُولَةٌ"، وهو الكثيرُ المَلَل، وهو السآمَة، و"امرأةٌ ملولةٌ"، وقالوا: "رجل فَرُوقَةٌ وامرأة فروقة" على معنى المبالغة، كما قالوا: "نَسّابة"، و"عَلّامة"، وقالوا: "حَمُولةٌ"، و"قتوبةٌ"، و"ركوبةٌ"، يريدون أنّها ممّا يُحْمَل عليها، وتُقْتَب، وتُرْكَب، فهي متّخَذةٌ لذلك، وإن لم يقع بها


(١) يس: ٧٢.
(٢) هي قراءة عائشة، وهشام بن عروة، وأبيّ بن كعب، وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٧/ ٣٤٧؛ وتفسير القرطبي ١٥/ ٥٦؛ والكشاف ٣/ ٣٣٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٥/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>