للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقوله المتكلّمُ إذا قدّر أن المخاطب يعتقده غائبًا، فيقول: "ها أنا ذا"، أي. حاضرٌ غيرُ غائب، وكذلك "ها هو ذا"، فسيبويه يرى أن دخولها على المضمر كدخولها على المبهم. والخليل يعتقد دخولها على المبهم، وإنما قدموا التنبيهَ، والتقديرُ: هذا هو. ونحوُه: "ها أنت ذا" وها هي ذه"، فاعرفه.

[فصل [لغات "أما"]]

قال صاحب الكتاب: ويحذفون الألف من "أما" فيقولون: "أم والله", وفي كلام هجرس بن كليبٍ: "أم وسيفي وزريه، ورمحي ونصليه، وفرسي وأذنيه، لا يدع الرجل قاتل أبيه، وهو ينظر إليه". ويبدل بعضهم من همزته هاء فيقول: "هما والله", و"هم والله", وبعضهم عيناً, فيقول: "عما والله", وعم والله".

* * *

قال الشارح: حكى محمد بن الحسن عن العرب: "أمَ واللهِ لأفعلن" يريدون: أما والله، فحذفوا الألف تخفيفًا. وذلك شاذ قياسًا واستعمالًا، أمّا شذوذُه في الاستعمال، فما أقَلَّه! وأما القياس فمن جهتَين:

إحداهما: أن الألف خفيفة غيرُ مستثقَلة، ألا ترى أن من قال: {مَا كُنَّا نَبْغِ} (١)،و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (٢)، فحذف الياءَ تخفيفًا في الوقف لم يحذف الألف في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} (٣)، لخفتها.

والجهة الثانية: أنّ الحذف في الحروف بعيدُ جدًّا؛ لأنه نوع من التصرّف،

والحروفُ لا تصرُّفَ لها لعدم اشتقاقها. والأمر الآخر أن هذه الحروف وُضعت اختصارًا نائبةً عن الأفعال دالّةً على معانيها، فهمزةُ الاستفهام أغنتْ عن "أستَفهمُ"، و"ما" النافيةُ أغنت عن "أنفى". فلو اختصرتَ هذه الحروف وحذفت منها شيئًا لكان اختصارًا لمختصَرٍ، وذلك إجحافُ، فلذلك بعُد الحذف فيها، ووجب إقرارها على ما هي عليه لعدم الدلالة على المحذوف.

والذي حسنه قليلًا هنا بقاءُ الفتحة قبلها دلالةَ على الألف المحذوفة، إذ لو لم يكن ثَم محذوف لكانت الميم ساكنة، نحوَ: "أم" في العطف، و"هَل"، "بَلْ". فلما تحرّكت من غير علّة، عُلم أن ثم محذوفًا، فيُراد هذا مع ما في حذفها من التخفيف، فإن الألف، وإن كانت خفيفة، فلا إشكالَ في كونِ حذفها أخفّ من وجودها، هذا مع ما في القسم بعدها من الدلالة عليها، إذ كانا يتصاحبان كثيرًا. وقد حمل أبو الفتح بن جني


(١) الكهف: ٦٤.
(٢) الفجر:٤.
(٣) الليل: ١ - ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>