للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التحذير]

قال صاحب الكتاب: "ومن المنصوب باللازم إضماره قولك في التحذير: "إياك والأسد"، أي إتق نفسك أن تتعرض للأسد, والأسد أن يهلكك, ونحوه: "رأسك والحائط"، و"ماز رأسك والسيف". ويقال "إياي والشر"، و"إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب" (١)، أي: نحني عن الشر، ونحّ الشر عني، ونحني عن مشاهدة حذف الأرنب، ونح حذفها عن حضرتي ومشاهدتي، والمعنى النهي عن حذف الأرنب".

* * *

قال الشارح: قد اشتمل هذا الفصلُ على ضروب من الأمر والتحذير. تقول إذا كنت تُحذِّر: "إيَّاكَ". ومثلُه أن تقول: "نفسَك"، وهو منصوب بفعل مضمر، كأنك قلت: إياك باعِدْ، وِإياك نحّ واتق نفسك، فحذف الفعل، واكتفى بـ "إِياك" عنه. وكذلك "نفسَك" لدلالة الحال عليه، وظهورِ معناه. وكثُر ذلك محذوفًا حتى لزم الحذفُ، وصار ظهورُ العامل فيه من الأصول المرفوضة.

فمن ذلك قولهم: "إياك والأسدَ"، فـ "إيّاك" اسمٌ مضمر منصوبُ الموضع، والناصبُ له فعلٌ مضمرٌ، وتقديره: إياك باعِدْ وإيّاك نَحّ، وما أشبهَ ذلك، و"الأسدَ" معطوف على "إياك" كما تقول: "زيدًا اضرب وعمرًا".

فإن قيل: كيف جاز أن يكون "الأسد" معطوفًا على "إيّاك" والعطفُ بالواو يقتضي الشركة في الفعل والمعنى؟ ألا تراك تقول: "ضربتُ زيدًا وعمرًا" فالضربُ واقعٌ بهما جميعًا، وأنتَ ها هنا لا تأمُر بمباعَدةِ الأسد على سبيل التحذير كما أمرتَه بمباعدة نفسه على سبيل التحذير، فيكون المخاطَبُ محذورًا مخوفًا كما كان الأسدُ محذورًا مخوفًا؟ فالجوابُ أنّ البُعد والقُرب بالإضافة، فقد يكون الشيء بعيدًا بالإضافة إلى شيء، وقريبًا بالإضافة إلى شيء آخر غيرِه، وههنا إذا تَباعدَ عن الأسد، فقد تباعد الأسدُ عنه. فاشتركا في البُعد.

وأمّا اختلافُ معنيَيْهما، فلا يمنع من عطفِ الأسد عليه، لأنّ العامل قد يعمل في المفعولَيْن، وإن اختلف معناهما، ألا تراك تقول: "أعطيتُ زيدًا درهمًا"، فيتعدّى الفعلُ


(١) ورد هذا القول في لسان العرب ٩/ ٤٠ (حذف). ويحذف: يرمي. كانت العرب تعتقد أنّ الأرنب مشؤومة، وتتطيَّر من التعرُّض لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>