الكَتِيبَتَيْن، فقال ربيعةُ ذلك. وكان الأصمعيّ يُنْكِرِه، ووجه إنكاره أنّ "شتّان" يقتضي اسمَيْن و"ما" ها هنا إن جعلتَها موصولةً، كان ما بعدها اسمًا واحدًا بمنزلةِ "شَتانَ زيدٌ"، وذلك لا يجوز، ولذلك قالوا: لو قيل: "شتّان زيدٌ أو عمرو" من غيرِ ذكرِ اثنين، لم يجز؛ لأنّ "أوْ" لأحدِ الشيئَيْن، وإن جعلتَها صلةً، لم يبق معك ما يصلح أن يكون فاعلاً. وقال قوم: لا يبعُد جوازُ ذلك؛ لأنّه إذا تَباعَد ما بينهما، فقد تَباعَدا، وفارَقَ كلُّ واحد منهما صاحبه، فاعرفه.
فصل [أحكام "أفّ"]
قال صاحب الكتاب:"أُفَُِّ", يفتح, ويضم, ويكسر, وينون في أحواله, وتلحق به التاء منوَّنًا, فيقال:"أُفَّةً".
* * *
قال الشارح: قد تقدم القول: إن "أُفَّ". مبنيةٌ، ومعناها أَتَضَجرُ ونحوه، وحقها السكون على أصل البناء، والحركةُ فيه لالتقاء الساكنين، وهما الفاءان، وفيها لغاتٌ عِدّةٌ. قالوا:"أُفَّ" مفتوحة غيرَ منوَّنة، و"أُفًّا" مفتوحةً منوَّنةَ، و"أُفُّ" مضمومة من غير تنوين، و"أُفٌّ" مضمومة منونة، و"أُفِّ" بالكسر من غير تنوين، و"أُفٍّ" بالكسر مع التنوين، وتُخفف، فيقال:"أُفْ" ساكنة الفاء، وتُمال فيقال:"أُفّي"، وهي التي تُخلِّصها العامّةُ ياء، فتقول:"أُفِّي".
فأمّا الفتح فيها فلِكَراهِيَة الكسر فيها مع ثِقَل التضعيف، فعدلوا إلى الفتح، إذ كان أخف الحركات. ومن ضم، أتبع الفاء ضمةَ الهمزة، كما قالوا:"مُنْذُ"، و"شُدُّ"، و"مُدُّ". ومن كسر، فعلى أصلِ التقاء الساكنين، ولم يُبال الثِّقلَ. ومن لم يُنوِّن، أراد التعريف، أي: التضجرَ المعروفَ، ومن نوّن، أراد النكرة، أي: تضجُّرًا. ومن أمال، أدخل فيه ألف التأنيث، وبناه على "فُعْلَى"، وجاز دخولُ ألف التأنيث مع البناء كما جاءت تاؤه معه في "ذَيةَ"، و"كَيةَ".
وقد قالوا:"هَنا" في المكان، فأدخلوا فيه عَلَم التأنيث مع البناء، فعلى هذا لا يكون من لفظِ "هُنَا"؛ لأنّ "هُنَا" من لفظ معتل اللام، فهو من بابِ "هُدى"، و"ضُحى"، و"هَنَّا"صحيحُ اللام من المضاعَف، فهو من باب "حَبٍّ"، و"دَرٍّ". ولا يبعد أن يكون من لفظه، ويكون وزنُه، "فَنْعَلًا" كـ"عَنْبَس"، فتكون النونُ الأولى زائدة، والألفُ أصلاً.
وأمّا "أُف" الخفيفة، فإنهم استثقلوا التضعيفَ، فحذفوا إحدى الفائَيْن تخفيفًا، فصارت "أُفْ" ساكنةً؛ لأنّها إنما كانت متحرّكة للساكنَيْن، وقد زال المقتضي للحركة، وهو ذَهابُ أحد الساكنين.