للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فذكر الأبد بعد "لَن" تاكيدًا لِما تُعطيه "لَنْ"من النفى الأبَدي. ومنه قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} (١)، ولم يلزم منه عدم الرؤية في الآخرة؛ لأن المراد أنّك لن تراني في الدنيا، لأن السؤال وقع في الدنيا، والنفيُ على حسب الإثبات.

واعلمْ أنهم قد اختلفوا في لفظِ "لَنْ" فذهب الخليل إلى أنها مركبة من "لا" و"أنْ" الناصبة للفعل المستقبل، نافية كما أن "لا" نافية، وناصبةُ للفعل المستقبل، كما أن "أنْ" كذلك، والمنفى بها فعل مستقبل، كما أن المنصوب بـ "أنْ" مستقبلٌ، فاجتمع في "لَنْ" ما افترق فيهما، فقُضي بأنّها مركبةٌ منهما، إذ كان فيها شيءٌ من حروفهما. والأصلُ عنده: "لا" "أن، فحُذفت الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال، ثم خذفت الألف لالتقاء الساكنين، وهما الألف والنون بعدها، فصار اللفظ "لن".

وكان الفراء يذهب إلى أنّها "لا"، والنون فيها بدلٌ من الألف، وهو خلاف الظاهر، ونوعٌ من علم الغَيب.

وسيبويه يرى أنها مفردة غير مركبة من شيء عملًا بالظاهر، إذ كان لها نظيرٌ في الحروف، نحوُ: "أنْ"، و"لَمْ"، و"أم". ونحن إذا شاهدنا ظاهرًا يكون مثلُه أصلاً، أمضينا الحكمَ على ما شاهدنا من حاله، وإن أمكن أن يكون الأمر في باطنه على خلافه. ألا ترى أن سيبويه ذهب إلى أن الياء في "السَّيد" الذي هو الذِئب أصلٌ. وإن أمكن أن تكون واوًا، انقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها على حد "قِيل"، و "عِيدٍ" وجعله من قبيل "فِيلٍ"، و"ديكٍ"، وصغّره على"سُيَيدٍ" كـ "دِيكٍ"، و"دُيَيكٍ"، و"فِيلٍ"، و"فُيَيلٍ"، وإن كان لا عهدَ لنا بتركيب اسم من (س ي د)، عملًا بالظاهر على أن يوجَد ما يستنزلنا عنه، وقد أفسد سيبويه (٢) قولَ الخليل بأن "أن" المصدرية لا يتقدم عليها ما كان في صلتها، ولو كان أصلُ "لَنْ" "لا أنْ لم يجز: "زيدًا لن أضربَ" لأنّ "أضرب" من صلةِ "أنِ" المركبةِ، وما أحسنَه من قولٍ! ويمكن أن يُقال أن الحرفَين إذا رُكبا، حدث لهما بالتركيب معنى ثالثٌ، لم يكن لكل واحد من بَسائطِ ذلك المركب، وذلك ظاهر، فاعرفه.

[فصل [إن]]

قال صاحب الكتاب: و"إن" بمنزلة "ما" في نفي الحال, وتدخل على الجملتين الفعلية والاسمية, كقولك: "إن يقوم زيدٌ" و"إن زيدٌ قائمٌ". قال الله تعالى: {إن


= وجملة "لن يراجع قلبي": بحسب الواو. وجملة "زكنت": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "زكنوا": صلة الموصول لا محل لها من الاعراب أيضًا.
والشاهد فيه قوله: "لن يراجع ... أبدًا" حيث وقع نفي الفعل بـ "لن" على التأبيد، وذكر "أبدًا" للتوكيد.
(١) الأعراف: ١٤٣.
(٢) الكتاب ٣/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>