للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا مع المضمر، فلا تكون إلَّا مفتوحةً، نحوَ قولك: "المالُ لَكَ ولَهُ"، جاؤوا بها على الأصل ومقتضى القياس، ودْلك لأمرَيْن:

أحدُهما: زوالُ اللبس مع المضمر؛ لأن صيغة المضمر المرفوع غيرُ صيغة المضمر المجرور. ألا ترى أنك إذا أردت الملك؛ قلت: "هذا لك"، وإذا أردت التأكيد؛ قلت: "إنّ هذا لأنْتَ". فلمّا كان لفظ المجرور غير لفظ المرفوع؛ اكتفوا في الفصل بنفس الصيغة.

الثاني: أنَّ الإضمار ممّا يردّ الأشياءَ إِلى أُصولها دي أكثر الأحوال، فلمّا كان الأصل في هذه اللام أن تكون مفتوحة؛ تُركت هذه اللام الجارّة مع المضمر مفتوحة. وقد شبه بعضهم المظهرَ بالمضمر، ففتح معه لامَ الجرّ، فقال: "المالُ لزيدٍ" وقد قرأ سَعِيد بن جُبَير: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (١) بفتح اللام، كأنَّه يردّها إلى أصلها، وهو الفتح. وحكى الكسائيّ عن أبي خزم العُكليّ: "ما كنتُ لآتِيَكَ" بفتح اللام، وربّما كسروها مع المضمر تشبيهًا للمضمر بالمظهر. والأوّل أقيسُ؛ لأن فيه ردًّا إلى الأصل، وفي الثاني ردُّ أصل إلى فرع. وربما شُبّهت الباء باللام، فقيل: "بَهُ"، و"بَكَ"، فاعرفه.

فصل [معني "ربّ" وأحكامها]

قال صاحب الكتاب: و"رُبَّ" للتقليل, ومن خصائصها أن لا تدخل إلا على نكرة ظاهرة, أو مضمرة, فالظاهرة يلزمها أن تكون موصوفة بمفردٍ, أو جملةٍ, كقولك: "ربّ رجلٍ جوادٍ"، و"ربّ رجل جاءني"، و"ربّ رجل أبوه كريمٌ".

* * *

قال الشارح: "رُبَّ" حرفٌ من حروف الخفض، ومعناه تقليل الشيء الذي يدخل عليه، وهو نقيضُ "كَمْ" في الخبر، لأنّ "كَمِ" الخبريّة للتكثير، و"رُبَّ"، للتقليل. تقول: "ربّ رجلٍ لقيتُه"، أي: ذلك قليلٌ. وهي تقع في جوابِ من قال، أو قدّرتَ أنه قال: "ما لقيتَ رجلًا"، فقلت في جوابه: "ربّ رجلٍ لقيته". قالَ أبو العبّاس المبرّد: "رُبَّ" تبيينٌ عمّا أوقعتَها عليه أنّه قد كان، وليس بالكثير، ولذلك لا تقع إلَّا على نكرة، إلَّا أن الفرق بين "رُبَّ" وبين "كَمْ" في الخبر أنّ "كَم" اسمٌ، و"رُبَّ"، حرفٌ. والذي يدلّ على ذلك أُمورٌ، منها: أنّ "كَمْ " يُخبَر عنها، يقال: "كم رجلٍ أفضلُ منك"، فيكون "أفضل" خبرًا عن "كَمْ"، كما يكون خبرًا عن "زيد" إذا قلت: "زيدٌ أفضل منك". حكى ذلك يونس،


(١) إبراهيم: ٤٦. وقرأ الكسائي وابن محيصن ومجاهد وغيرهم: "لتزولُ". انظر: البحر المحيط ٥/ ٤٣٧، ٤٣٨؛ وتفسير الطبري ١٣/ ١٦١؛ وتفسير القرطبي ٩/ ٣٨٠؛ والكشاف ٢/ ٣٨٣؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٠٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>