قال صاحب الكتاب: والعدد موضوع على الوقف، تقول واحد, اثنان, ثلاثة، لأن المعاني الموجبة للإعراب مفقودة, وكذلك أسماء حروف التهجي, وما شاكل ذلك, إذا عددت تعديداً, فإذا قلت هذا واحد ورأيت ثلاثة, فالإعراب كما تقول هذه كاف، وكتبت جيماً.
* * *
قال الشارح: اعلم أن أسماء العدد إذا عدّدتها؛ فإنّها تكون مبنيّة على الوقف؛ لأنها لم تقع موقع الأسماء، فتكونَ فاعلة ومفعولة ومبتدأةً؛ لأن الإعراب في أصله إنّما هو للفرق بين اسمين لكلّ واحد منهما معنى يخالف معنى الآخر، فلمّا لم تكن هذه الأسماء على الحدّ الذي يستوجب الإعرابَ، سُكِّنَتْ، وصارت بمنزلة صوت تصوته، نحو:"صَهْ"، و"مهْ" فتقول: "واحدْ، اثنانْ، ثلاثهْ، أربعهْ"، بالإسكان من غير إعراب. ويؤيّد ذلك عندك ما حكاه سيبويه من قول بعضهم:"ثَلاَثهَرْبَعهْ"، فيترك الهاء من "ثلاثة" بحالها غير مردودة إلى التاء، وإن كانت قد تحرّكت بفتحة همزةِ "أربعه" دلالة على أنّ وضعها أن تكون ساكنة في العدد، حتى إنّه لمّا ألقى عليها حركة الهمزة التي بعدها؛ أقرّها في اللفظ بحالها على ما كانت عليه قبل إلقاء الحركة عليها. ولو كانت كالأسماء المعربة؛ لوجب أن تردّها متى تحرّكت تاء، فتقول:"ثلاثتربعه"، كما تقول:"رأيت طلحة يا فتى".
فإن أوقعتَها موقع الأسماء، أعربتها، وذلك نحو قولك:"تَفْضُل ثلاثةَ أربعةُ بواحد"، أعربتَها لأن "ثلاثة" هاهنا مفعولة، و"أربعة" فاعلة، وتقول:"ثمانيةُ ضعفُ أربعة" أعربتها لأنّها مبتدأ، ولم تصرف للتأنيث والتعريف.
وكذلك حروف المُعْجَم إذا كانت حروفَ هِجاء غيرَ معطوفة، ولا واقعةٍ موقع الأسماء، فإنّها سواكنُ الأواخر في الدرج والوقف، وذلك قولك: ألفْ ب ت ث ج ح خ د ذ ر، وفي الزاي لغتان: منهم من يقول: "زاي" بياء بعد ألف كما تقول: واو، بواو بعد ألف، ومنهم من يقول:"زَيْ" بوزن "كَيْ"، و"أيْ"، وقد حُكي فيها "زاء" ممدودةً ومقصورةً. وكذلك سائرها تُبنَى أواخرها على الوقف, لأنّها أسماء الحروف الملفوظ بها في صِيَغ الكلم، فهي بمنزلة أسماء الأعداد، نحو:"ثلاثهْ"، و"أربعهْ"، و"خمسهْ"، فلا تجد لها رافعًا، ولا ناصبًا، ولا جارًّا؛ لأنّك لم تُحدِّث عنها، ولا جعلت لها حالةً تستحق الإعرابَ بها كما قلنا في العدد، فكانت كالحروف، نحو:"هَلْ"، و"بَلْ"، وغيرهما من الحروف فلم يجز لذلك تصريفُها، ولا اشتقاقها، ولا تثنيتها، ولا جمعُها، كما أن الحروف كذلك.