للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما التضعيف، فنحو قولك: "فرِح زيدٌ"، و"فرحته"، و"غرِم"، و"غرّمته"، و"نبُل"، و"نبلته"، و"نزل"، و"نزلته". والمراد: حملته على ذلك وجعلته يفعله، ولذلك صار متعديًا بعد أن لم يكن كذلك. وهذا البناءُ يُشارِك "أفْعَلَ" في أكثرِ معانيها، إلّا أن أحدهما قد يكثر في معنى، ويقل في معنى آخر على ما سنذكر.

وأما حروف الجرّ، فنحو قولك: "مررت يزيد"، و"نزلت على عمرو"، فهذه الحروف إنما دخلت الاسمَ للتعدية، وإيصال معنى الفعل إلى الاسم؛ لأنّ الفعل قبلها لا يصل إلى الاسم بنفسه، لأنها أفعال ضعُفتْ عُرْفًا واستعمالًا، فوجب تقويتُها بالحروف الجارّة، فيكون لفظه مجرورًا، وموضعه نصبًا بأنه مفعول، ولذلك يجوز فيما عُطف عليه وجهان: الجرّ والنصب، نحوُ قولك: "مررت بزيد وعمرو، وعمرًا"، فالجر على اللفظ، والنصب على الموضع. وذلك من قبل أن الحرف يتنرل منزلةَ الجزء من الفعل من جهةِ أنّه به وصل إلى الاسم، فكان كالهمزة في "أذهبته"، والتضعيف في "فرّحته". وتارة يتنزل منزلة الجزء من الاسم المجرور به، ولذلك جاز أن يعطف عليهما بالنصب، فالجزُ على الاسم وحدَه، والنصب على موضع الحرف والاسم معًا، وكما تُعدي هذه الأشياء الثلاثة غيرَ المتعدي إلى مفعول، نحوَ قولك: "أذهبت زيدًا"، فكذلك تزيد في تعديةِ ما كان متعديًا منها، فإذا كان يتعدّي إلى مفعول واحد، وأتيتَ بالهمزة، أو أخْتَيها صار يتعدّي إلى مفعولَيْن، نحوَ: "أضربتُ زيدًا عمرًا"، أي: حملته على الضرب، فصار الفاعل مفعولًا. وإن كان يتعدّى إلى مفعولين، صار يتعدّي إلى ثلاثة، نحوَ قولك فىِ "علمت زيدًا قائمًا"، و"رأيت عمروًا عالمًا": "أعلمني بكر زيدًا قائمًا"، و"أراني عبدُ الله عمرًا عالمًا". كان المتكلم قبل النقل فاعلاً، فصار بعد النقل بالهمزة مفعولًا، وليس وراء الثلاثة متعدى (١) إِليه.

واعلم أنّه متى عديت الفعل بالهمزة، أو التضعيف، لم تجمع بين واحد منهما وحرف الجرّ, لأنّ الغرض تعديةُ الفعل، فبايّ شيء حصل أغنى عن الآخر، ولا حاجة إلى الجمع بينهما، فتقول: " أدخلت زيدًا الدارَ"، و"أذهبت خالدًا"، و"دخلت يزيد الدارَ"، و"ذهبت به". قال الله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (٢)، ولا يجوز "أدخلت يزيد الدارَ"، ولا "أذهبت به"، فتجمع بين الهمزة والباء لِما ذكرت لك، فاعرفه.

[فصل [أنواع الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل]]

قال صاحب الكتاب: والأفعال المتعدية إلى ثلاثة علي ثلاثة أضرب: ضربٌ منقول بالهمزة عن المتعدي إلى مفعولين، وهو فعلان: "أعلمت", و"أريت"، وقد أجاز الأخفش


(١) في الطبعتين: "متعد" بدون ألف، وقد صححتها طبعة ليبزغ في ذيل التصحيحات.
(٢) النور: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>