للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجرَى "إما" في الشك والتخيير والإباحة بمنزلةِ "أوْ"، ودْلك قولك في الخبر: "جاءني إما زيدٌ وإمّا عمرو"، أي: أحدُهما، وكذلك وقوعهما في التخيير، تقول: "اضرب إما عمرًا وإذا خالدًا"، فالآمرُ لا يَشُك، ولكنه خيّر المأمورَ كما كان ذلك في "أوْ". ونظيرُه قوله عز وجل: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (١)، وقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (٢). وتقول في الإباحة: "تَعلمْ إما الفِقْهَ وإما النحوَ"، و"جالسْ إما الحسنَ وإمّا ابنَ سيرين". حالُها في ذلك كله كحالِ "أو". ولِما بينهما من المناسبة، جاءت في الشعر مُعادِلةً لـ "أوْ"، نحوَ: "ضربت إمّا زيدًا أو عمرًا"، فإن تقدمتْ "إمَّا" وتبعتها "أوْ"، كان المعنى لـ"إما" دونها لتقدمها؛ ولذلك يُبْنَى الكلام معهما على الشك من أوّله بخلاف "أو" إذا كانت منفردةً، فاعرفه.

[فصل [الفرق في العطف بين "أو" و"إما"]]

قال صاحب الكتاب: وبين "أو" و"إما" من الفصل إنك مع "أو" يمضي أول كلامك على اليقين, ثم يعترضه الشك، ومع "إمَّا" كلامك من أوله مبني على الشك.

* * *

قال الشارح: لما كانت "إمَّا" كـ"أوْ" في أنهما لأحد الأمرَيْن، وبأن شدةُ تناسُبهما، أخذ في الفصل بينهما. وجملة ذلك أن الفصل بينهما من جهة المعنى والذات، فأمّا المعنى، فإنك إذا قلت: "ضربتُ زيدًا، أو اضرب زيدًا"، جاز أن تكون أخبرته بضرْبك زيدًا، فأنت متيقن، أو أمرتَه بضَرْبه، أو أبَحتَه، ثم أدركك الشك بعد ما كنت على يقين، و"إما" في أوّل ذِكرها تؤذن بأحد من أمرَين، فافترق حالاهما من هذا الوجه. وأمّا الفصل من جهة الذات، فإن "أو" مفردةٌ، و"إما" مركبة من "إن"، و"ما". فعلى هذا، لو سمّيت بـ "أوْ" أعربت، ولو سميت بـ "إمَّا " حكيت كما تحكي إذا سمّيت بـ "إنما"، و"كَأنما". والذي يدل على أن أصل "إما" "إن " ضُمت إليها "ما" ولزمتها للدلالة على المعنى، أن الشاعر لما اضطُر إلى إلغاء "ما" منها، عادت إلى أصلها، وهو "إن"، نحوَ قول الشاعر [من الوافر]:

١١٣٦ - لَقَد كَذَبَتْك نَفْسُك فاكذِبَنْهَا ... فإن جَزَعا وإنْ إجمالَ صَبرِ


(١) الإنسان: ٣.
(٢) محمَّد: ٤.
١١٣٦ - التخريج: البيت لدريد بن الصمة في ديوانه ص ٦٧؛ والأزهية ص ٥٧؛ وخزانة الأدب ١١/ ١٠٩، ١١٠، ١١٤، ١١٦؛ والدرر ص ١٠٢؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٠٩؛ والمقاصد النحوية ١١/ ٨١، ٩٣، ٩٦؛ ورصف المباني ص ١٠٢؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ١٢٩؛ والمقتضب ٣/ ٢٨؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٣٥.
اللغة: إجمال الصبر: هو الصبر الجميل، وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق. =

<<  <  ج: ص:  >  >>