للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمذهب الأول، وعليه سيبويه، ولذلك استثناه صاحب الكتاب فقال: "إلَّا إذا أردت حكايته الحال، أو أدخلتَ عليه الألف واللام", لأنّه إذا أُريد حكايته الحال؛ كان في حكم الحال، ولذلك يأتي بلفظ الحال، وإذا كان فيه الألف واللام، كان في معنى الفعل إذ كان في معنى الصلة.

وأمّا ما يتعدّى إلى مفعولَين من نحوِ: "هذا مُعْطِي زيدٍ درهمًا"، فإن كثيرًا من النحويين يزعمون أن الثاني ينتصب بإضمارِ فعل تقديرُه: "هذا معطِي زيدٍ أعطاه درهمًا"، وليس بالحسن، ألا ترى أنّ ممّا يتعدّى إلى مفعولين ما لا يجوز أن يُذْكَر أحدهما دون الآخر، وأنت تقول: "هذا ظان زيدٍ منطلقًا أمس"، فلو كان الثاني ينتصب بإضمار فعل؛ لكنت في الأول مقتصِرًا على مفعول واحد، وهو ما أُضيف إليه اسمُ الفاعل، وذلك لا يجوز. والجيّدُ أن يكون منصوبًا بهذا الاسم، وذلك لأن الفعل الماضي فيه بعضُ المضارعة على ما سيُذْكَر في موضعه، ولذلك بُني على حركة، فكما مُيّز الفعل الماضي بتلك المضارعة، بأن بني على حركة، كذلك أُعمل الاسم الذي في معناه عملًا دون عمل الاسم الجاري على الفعل المضارع، فكما أعطوا الفعل الماضي حظًّا بالشَّبَه، وهو بناؤه على حركة؛ كذلك أعطوا الاسم الذي في معناه حظًا من العمل، وذلك بأن أعملوه في المفعول الثاني لمّا لم تمكن الإضافة إليه, لأنّه لا يُضاف إلى اسمين، فأُضيف إلى الاسم الذي يليه، وصارت إضافته إليه بمنزلة التنوين له، فعمل في الثاني بحكمِ أنّه في معنى الفعل، وأنّه كالمنوّن.

وأما قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} (١)، فإن أكثر النحويين يجعلون ذلك ماضيًا, لأن الفلق وَالجعلَ قد كانا، فعلى هذا يكون نصبُ "سكنًا" وما بعده بإضمارِ فعل على القول الأوّل، وبالفعل المذكور على الثاني تحجز الإضافةُ بينهما. وكان أبو سَعِيد السّيرافي يجيز أن يكون ذلك للحال والاستقبال, لأن ذلك كل يوم يحدث، وعلى هذا يكون "سكنًا" منصوبًا بالفعل المذكور، والاسمُ الأول في معنى منصوب، ويكون الشمس والقمر معطوفًا على المعنى، كما قلنا في "هذا ضاربُ زيدٍ وعمرًا غدًا"؛ وهذا القولُ يُضَغفه قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} (٢)؛ لأنّه ماضٍ قد كان لا محالة، لا يتجدّد كل يوم، فاعرفه.

[فصل [ما يعتمد عليه اسم الفاعل للعمل]]

قال صاحب الكتاب: ويشترط اعتماده على مبتدأ أو موصوف، أو ذي حال، أو حرف


(١) الأنعام: ٩٦.
(٢) الأنعام: ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>