للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استفهام، أو حرف نفي، كقولك: زيدٌ منطلقٌ غلامه، وهذا رجل بارع أدبه، وجاءني زيد راكباً حماراً، وأقائم أخواك، وما ذاهب غلاماك. فإن قلت بارع أدبه من غير أن تعمده بشيء وزعمت أنك رفعت به الظاهر؛ كذبت بامتناع قائم أخواك.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول بأن أصل العمل إنّما هو للأفعال، كما أن أصل الإعراب إنّما هو للأسماء، واسمُ الفاعل محمول على الفعل المضارع في العمل للمشابهة التي ذكرناها، كما أن المضارع محمول عليه في الإعراب، وإذ عُلم ذلك، فليُعْلَمْ أن الفروع أبدًا تنحط عن درجات الأصُول، فلمّا كانت أسماء الفاعلين فروعًا على الأفعال؛ كانت أضعف منها في العمل. والذي يؤيد عندك ذلك أنّك تقول: "زيد ضاربٌ عمرًا"، و"زيد ضاربٌ لعمرٍو"، فتكون مخيَّرًا بين أن تُعدّيه بنفسه، وبيّن أن تعدّيه بحرف الجرّ لضعفه، ولا يجوز مثل ذلك في الفعل، فلا تقول: "ضربت لزيدٍ". قال الله تعالى: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا} (١)، فعدّى الفعل بنفسه، وقال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (٢) فعدّى الاسم باللام. قال الشاعر [من الوافر]:

٩١٠ - وَنَحْنُ التاركونَ لِما سَخِطْنا ... ونحنُ الآخِذونَ لِما رَضِينَا

ولذلك من الضعف لا يعمل حتى يعتمد على كلام قبله من مبتدأ، أو موصوف، أو ذي حال، أو استفهام، أو نفي. وذلك من قِبَل أن هذه الأماكن للأفعال، والأسماءُ فيها في تقدير الأفعال، ألا ترى أن الخبر في الحقيقة إنّما يكون بالفعل, لأنّه هو الذي يجهله المخاطبُ، أو ممّا يجوز أن يجهل مثلَه, لأن الأفعال حادثةٌ منقضيةٌ، وكذلك الصفة والحال, لأنك إنّما تَحْكِيه بفعل أو ما يرجع إلى فعل.


(١) الشعراء: ٢٠
(٢) البروج: ١٦.
٩١٠ - التخريج: البيت لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٨٣؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤/ ٧٠.
اللغة والمعنى: سخط: غضب، وكره.
أي: نحن فادرون على ترك ما يُغضبنا، أو ترك ما نكره، وقادرون على أخذ ما نرضى.
الإعراب: "ونحن": الواو: حرف استئناف. "نحن": ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ. "التاركون": خبر مرفوع بالواو لأنّه جمع مذكر سالم. "لما": جارّ ومجرور متعلّقان بالخبر. "سخطنا": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع، و"نا": ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "ونحن الآخذون لما رضينا": الواو: حرف عطف، ويعرب الباقي إعراب "نحن التاركون لما سخطنا".
وجملة "نحن التاركون": استئنافية لا محل لها من الإعراب، وعطف عليها جملة "نحن الآخذون". وجملة "سخطنا": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وكذلك هي جملة "رضينا".
والشاهد فيه قوله: "التاركون لما، الآخذون لما" حيث عدّى اسم الفاعل باللام إلى الاسم الموصول، ولم يعدّها مباشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>