للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لَهِنَّكَ قائمٌ"، والمراد: لإنكَ قائمٌ، لكنهم لما أبدلوا من الهمزة هاءً؛ زال لفظ "إن" وصارت كأنها حرفٌ آخرُ، فجاز الجمعُ بينهما. قال الشاعر [من الطويل]:

ألا يا سَنا برقٍ على قُلَلِ الحِمى ... لَهِنكَ من بَرْقٍ عَلَىَّ كَرِيم (١)

والأمر الثاني: أن "إنَّ" عاملةٌ، واللام غير عاملة، فلا يجوز أن تكون مرتبةُ اللام بعدها؛ لأن "إن" لا تلي الحروفَ لا سيما إن كان ذلك الحرف ممّا يختصّ الاسمَ من العوامل، ويصرفه إلى الابتداء.

فإن قيل: إذا كان الغرض من تأخير اللام الفصلَ بينها وبين "إن"، وأن لا يجتمعا، فهلا أُخرت، "إنَّ" إلى الخبر، وأُقرت اللام أولاً؟ فالجواب أنه لمّا وجب تأخير أحدهما للفصل بينهما، كان تأخير اللام أولى؛ لأن "إنَّ" عاملةٌ في الاسم، فلا تدخل إلَّا عليه. فلو أُخرت إلى الخبر، والخبرُ يكون اسمًا وفعلاً وجملةً، فكان يؤدي إلى إبطال عملها؛ لأن العامل ينبغي أن يكون له اختصاصٌ بالمعمول، وليس كذلك اللامُ؛ لأنّها غيرُ عاملة، فيجوز دخولُها على الاسم والفعل والجملة، فتقول "إن زيدًا لَقائمٌ"، و"إن زيدًا لَيقوم". قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (٢).

واعلم أنّ أصحابنا قد اختلفوا في هذه اللام إذا دخلت على الفعل المضارع في خبرِ "إنّ"، فذهب قوم إلى أنّها تقصر الفعل على الحال بعد أن كان مبهمًا، واستدل على ذلك بقول سيبويه (٣): حتى كأنك قلت: "لَحاكِمٌ فيها"، يريد من المعنى. وأنت إذا قلت: "إن زيدًا لَحاكمٌ" فهو للحال. وذهب آخرون إلى أنها لا تقصره على أحد الزمانَيْن، بل هو مبهمٌ فيهما على ما كان. واستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٤). فلو كانت اللامِ تقصره للحال، كان مُحالاً، وهو الاختيار عندنا. فعلى هذا يجوز أن تقول: "إن زيدًا لَسَوْف يقوم". وعلى القول الأول -وهو رأيُ الكوفيين- لا يجوز ذلك، كما لا يجوز أن تقول: "إن زيدًا لسوف يقوم الآنَ"؛ لأن اللام تدل على الحال كما يدل عليه "الآنَ".

[فصل [اللام الفارقة]]

قال صاحب الكتاب: واللام الفارقة في نحو قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (٥)، وقولهِ: {وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} (٦)، وهي لازمة لخبرِ "إن" إذا خُففتْ.

* * *


(١) تقدم بالرقم ١١٠٦.
(٢) النحل: ١٢٤.
(٣) الكتاب ١/ ١٥.
(٤) النحل: ١٢٤.
(٥) الطارق: ٤.
(٦) الأنعام: ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>