للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تدخل إلَّا على الاسم والفعل المضارع, كقوله تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} (١)، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (٢). وفائدتُها توكيدُ مضمون الجملة. ويجوز عندنا "إن زيدًا لَسَوف يقوم", ولا يُجيزه الكوفيون.

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذه اللام أكثرُ اللامات تصرُّفًا، ومعناها التوكيد، وهو تحقيقُ معنى الجملة وإزالةُ الشك. وهي مفتوحة، وذلك مقتضى القياس فيها وفي كل ما جاء على حرفٍ يُبتدأ به، إذ الساكن لا يمكن الابتداءُ به، فوجب تحريكُه ضرورةَ جوازِ الابتداء به، وكانت الفتحة أخفّ الحركات، وبها نصل إلى هذا الغرض، ولم يكن بنا حاجة إلى تكلُّفِ ما هو أثقلُ منها.

وهي تدخل على الاسم والفعل المضارع، ولا تدخل على الماضي. فأمّا دخولها

على الاسم، فإذا كان مبتدأ تدخل فيه لتأكيد مضمون الجملة، وذلك نحو قولك: "لَزِيدٌ

عاقلٌ"، و"لَمحمد منطلقٌ"، {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (٣).

ولا تدخل هذه اللام في الخبر إلَّا أن تدخل "إنَّ" المثقلةُ، فتُلْزِم تأخيرَ اللام إلى الخبر، وذلك نحو قولك: "إن زيدًا لَمنطلقٌ". وأصلُ هذا: لَإن زيدًا منطلقٌ، فاجتمع حرفان بمعنى واحد، وهو التوكيد، فكُره اجتماعُهما، فأخرت اللام إلى الخبر، فصار: "إن زيدًا لَمنطلقٌ". وإذ وجب تأخيرُ اللام إلى الخبر، لزم أن تدخل على جميع ضروب الخبر. والخبرُ يكون مفردًا، فتقول في ذلك: "إن زيدًا لمنطلقٌ"، ويكون جملة من مبتدأ وخبر، فتقول حينئذ: "إن زيدًا لأبوه قائمٌ".

فإن كان الخبر جملة من فعل وفاعل، فلا يخلو ذلك الفعل من أن يكون مضارعًا، أو ماضيًا. فإن كان مضارعًا، دخلت اللامُ عليه لمضارعته الاسمَ، فتقول: "إن زيدًا لَيَضْرِبُ"، كما تقول: "لَضارِبٌ". فإن كان ماضيًا، لم تدخل اللام عليه؛ لأنه لا مضارعةَ بينه وبين الاسم، فلا تقول: "إن زيدًا لَضَرب"، ولا "إن بكرًا لَقعد".

وإن كان الخبر ظرفًا، دخلت عليه الْلامُ أيضًا، نحوَ قولك: "إن زيدًا لَفي الدار"، ويُقدَّر تعلُّق الظرف بـ "مُستقر" لا بـ "استقر"، كما قُدّر إذا وقع صلة للّذِي بـ "استقرَّ" لا بـ "مستقرّ"، وقد تقدّم الكلام على ذلك مستقصى في موضعه.

فإن قيل: فلِمَ زعمتم أن حكم اللام أن تكون متقدّمة على "إنّ"، وهلا كان الأمر بالعكس؛ لأنهما جميعًا للتأكيد؟ قيل: إنما قلنا ذلك لأمرَيْن:

أحدهما: أن العرب قد نطقت بهذا نطقًا، وذلك مع إبدال الهمزة هاءً في قولك:


(١) الحشو:١٣.
(٢) النحل: ١٢٤.
(٣) البقرة: ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>