للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما وصفنا لبقاء معناها. والآخر: أن تكون "ما" زائدة مؤكّدة على ما ذكرناه. وقد كان رُؤْيَةُ ينشده مرفوعًا. ورفعُه من وجهين أحدهما أن تكون "ما" موصولة بمعنى "الّذِي"، وما بعدها صلةٌ، والتقديرُ: ألا ليت الذي هو الحمامُ، على حد: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا". والآخر على إلغاء "ليت"، وكفّها عن العمل. يصف زَرْقاءَ اليمامةِ بحدّة البَصَر، وأنّها رأت حمامًا طائرًا، فأحصت عدّتَها في حال طَيَرانها.

فصل [معني "إنّ" و"أن" والفرق بينهما]

قال صاحب الكتاب: "إن", و"أن", هما تؤكدان مضمون الجملة, وتحققانه, إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها، والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد, تقول: "إن زيداً منطلقٌ" وتسكت, كما سكت على "زيدٌ منطلقٌ"، وتقول: "بلغني أن زيداً منطلقٌ"، و"حقٌ أن زيداً منطلقٌ"، فلا تجد بداً من هذا الضميم كما لا تجده مع الإنطلاق ونحوه. وتعاملها معاملة المصدر حيث توقعها فاعلة ومفعولة ومضافاً إليها في قولك: "بلغني أن زيداً منطلقٌ"، و"سمعت أن عمراً خارجٌ", و"عجبت من طول أن بكرًا واقفٌ". ولا تصدر بها الجملة كما تصدر بأختها, بل إذا وقعت في موقع المبتدأ التزم تقديم الخبر عليها, فلا يقال: "أن زيداً قائم حق".

* * *

قال الشارح: يشير في هذا الفصل إلى فائدةِ "إنَّ" و"أنَّ"، وطَرَفٍ من الفرق بينهما. فأمّا فائدتهما، فالتأكيدُ لمضمون الجملة، فإنّ قول القائل: "إنّ زيدًا قائمٌ" ناب منابَ تكرير الجملة مرتَيْن، إلَّا أن قولك: "إن زيدًا قائمٌ" أوْجَزُ من قولك: "زيدٌ قائمٌ زيدُ قائمٌ"، مع حصول الغرض من التأكيد. فإن أدخلتَ اللام، وقلت: "إنّ زيدًا لَقائمٌ"، ازداد معنى التأكيد، وكأنّه بمنزلة تكرار اللفظ ثلاثَ مرّات.

وكذلك "أنَّ" المفتوحة تفيد معنى التأكيد كالمكسورة، إلَّا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها، ولذلك يحسن السكوت عليها؛ لأن الجملة عبارةٌ عن كلّ كلام تامّ قائم بنفسه مفيدٍ لمعناه، فلا فرق بين قولك: "إنّ زيدًا قائمٌ"، وبين قولك: "زيدٌ قائمٌ" إلَّا معنى التأكيد. ويؤيّد عندك أن الجملة بعد دخول "إنَّ" عليها على استقلالهما بفائدتها، أنّها تقع في الصلة كما كانت كذلك قبلُ، نحوَ قولك: "جاءني الذي إنّه عالمٌ". قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} (١)، وليست "أنَّ" المفتوحةُ كذلك، بل تقلب معنى الجملة إلى الإفراد، وتصير في مذهب المصدر المؤكَّد.


(١) القصص: ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>