قال صاحب الكتاب: هي الرفع والنصب والجزم, وليست هذه الوجوه بأعلام على معان كوجوه إعراب الإسم، لأن الفعل في الإعراب غير أصيل, بل هو فيه من الاسم بمنزلة الألف والنون من الألفين في منع الصرف, وما ارتفع به الفعل وانتصب وانجزم, غير ما استوجب به الإعراب, وهذا بيان ذلك.
* * *
قال الشارح: لَمّا وجب للأفعال المضارِعة أن تكون معربة بالحمل على الأسماء والشبَهِ لها، وكان الإعرابُ جنسًا تحته أنواعٌ؛ كان القياس أن يدخلها جميع أنواعه من الرفع والنصب والجرّ كما كان في الاسم كذلك، إلَّا أن الجرّ امتنع من الأفعال لأمرَيْن:
أحدهما: أن الجرّ يكون بأدواتٍ يستحيل دخولها على الفعل، وهي حروف الجرّ والإضافةِ، فحروف الجرّ لها معان من التبعيض والغاية والمِلْك وغير ذلك مِمّا لا معنى له في الأفعال؛ وأمّا الإضافة فالغرض بها التعريف أو التخصيص، والأفعال في غاية الإبهام والتنكير، فلا يحصل بالإضافة إليها تعريفٌ، ولا تخصيص، فلم يكن في الإضافة إليها فائدة.
الأمر الثاني: أن الفعل يلزمه الفاعل، ولا يفارقه، والمضاف إليه داخل في المضاف ومن تمامه، وواقعٌ موقع التنوين منه، ولا يبلغ من قوّة التنوين أن يقوم مقامه شيئان قويّان.
فإن قيل على الوجه الأوّل: كما أن الجرّ لا يكون إلَّا بأدوات يستحيل دخولها على الأفعال، فكذلك الرفع والنصب في الأسماء، إنما هما للفاعل والمفعول، ولا يكونان إلَّا بالأفعال وحروفٍ يستحيل دخولُها على الأفعال، ومع ذلك فقد دخلا الأفعالَ على غير ذَيْنك الحدّين بأدوات غير أدواتهما في الأسماء، فهلّا كان الجرّ كذلك يدخل الأفعال على غير منهاجه في الأسماء وبأدوات غير أدواته في الأسماء؟
فالجواب: أن الرفع والنصب في الأسماء، الأصلُ فيهما أن يكونا للفاعلين