قال صاحب الكتاب: منها الغايات، وهي قبل وبعد وفوق وتحت وأمام وقدام ووراء وخلف وأسفل ودون ومن عل. وابدأ بهذا أول. وقد جاء ما ليس بظرف غاية، نحو حسب ولا غير وليس غير. والذي هو حد الكلام وأصله أن ينطق بهن مضافات، فلما اقتطع عنهن ما يضفن إليه، وسكت عليهن؛ صرن حدودًا ينتهي عندها، فلذلك سمين غايات.
* * *
قال الشارح: إنما قيل لهذا الضربَ من الظروف: غايات؛ لأن غايةَ كل شيء ما ينتهي به ذلك الشيءُ، وهذه الظروفُ إذا أُضيفت، كانت غايتُها آخِرَ المضاف إليه؛ لأن به يتم الكلامُ، وهو نهايتُه. فإذا قُطعت عن الإضافة، وأُريد معنى الإضافة، صارت هي غاياتِ ذلك الكلام، فلذلك من المعنى قيل لها: غايات.
وهي مبنية على الضم، أما بناؤها؛ فلأن هذه الظروف حقُها أن تكون مضافة؛ لأنها من الأسماء الإضافية التي لا يتحقّق معناها إلَّا بالإضافة، ألا ترى أنّ "قَبْلًا" إنّما هو بالإضافة إلى شيء بعده، و"بَعْدا" إِنما هو بالإضافة إلى ما قبله؟ فلذلك كان حقها الإضافةَ، نحوَ:"جئتُ قبلَ يوم الجمعة، وبعدَ يومِ خُروجِك"، فلما حُذف ما أُضيفت إليه مع إرادته، واكتُفي بمعرفة المخاطب عن ذكره، وفُهم منها (١) بعد الحذف ما كان مفهوما منها (١) قبل الحذف، صارت بمنزلةِ بعض الاسم؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، وبعضُ الاسم مبني لا يستحِق الإعرابَ.
وأمّا كونُها على حركة، فلأن لها أصلًا في التمكن، ألا ترى أنها تكون معرفة إذا كانت مضافة، نحوَ قولك:"جئتُ قَبْلَكَ، ومن قَبْلِك، وبعدَك، ومن بَعدِك"، أو نكرة، في نحوِ:"جئت قَبلًا، وبَعدًا"، وإنما تكون مبنية إذا قُطعت عن الإضافة، فلمّا كان لها هذا القَدَمُ في التمكن، وجب بناؤها على حركة تمييزا لها على ما بُني، ولا أصلَ له في
(١) صححتها طبعة ليبزغ في ذيل التصحيحات ص ٩٠٨ إلى "منه"، ولا أرى هذا التصحيح صائبًا.