للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإليه ذهب الفرّاء من الكوفيين. واحتجّوا لذلك بالنصّ والمعنى. أمّا النصّ فقوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} (١)، ووجهُ الدليل أنه قدّم معمولَ الخبر عليها، وذلك أن "يَوْمَ" معمولُ "مصروفًا" الذي هو الخبر، وتقديمُ المعمول يُؤذِن بجواز تقديم العامل؛ لأنه لا يجوز أن يقع المعمول حيث لا يقع العامل؛ لأنّ رتبة العامل قبل المعمول.

وأمّا المعنى فإنّه فعل في نفسه. وإنما مُنع المضارعَ؛ للاستغناء عنه بلفظ الماضي، وهذا المعنى لا ينقص حكمَها، وصار كـ"يَدَعُ"، و"يَذَرُ"، لمّا منعنا لفظَ الماضي منهما استغناء عنه بـ"تَرَكَ"، لم ننقص من حكم عملهما. ومنهم من منع من تقديم خبرها عليها مع جواز تقديمه على اسمها، وهو مذهب الكوفيين، وأبي العبّاس المبرد. وقال السيرافيّ وأبو عليّ: لا خلاف في تقديم الخبر على اسمها، إنما الخلاف في تقديم الخبر عليها. وحكى ابن درستويه في كتاب الإرشاد أن فيه خلافًا على ما تقدّم.

وقوله: "وقد خولِف في "لَيْسَ" فجُعل من الضرب الأوّل"، يريد الذي لا يجوز تقديم خبره عليه، وهو ما كان في أوّله "ما"، فيه إشارةٌ إلى أن من مذهبه جوازَ تقديم خبرها عليها.

وقوله: "والأول هو الصحيح"، يريد الأوّل من القولَيْن، وهو جواز تقديم خبرها عليها، وهو الذي أفتى به. والثاني ما حكاه من قول المخالِف، وهو عدم جواز تقديمه.

فصل [تفصيل سيبويه في تقديم الظرف وتأخيره بين اللغو منه والمستقرّ]

قال صاحب الكتاب: وفضل سيبويه (٢) في تقديم الظرف وتأخيره بين اللغو منه والمستقر، فاستحسن تقديمه إذا كان مستقراً نحو قولك: "ما كان فيها أحد خير منك"، وتأخيره إذا كان لغواً نحو قولك: "ما كان أحدٌ خيراً منك فيها"، ثم قال: وأهل الجفاء يقرؤون (٣): {ولم يكن كفؤاً له أحد} (٤).

* * *

قال الشارح: سيبويه كان يسمّي الظرف والجارّ والمجرور متى وقع واحدٌ منهما خبرًا مستقَرًا؛ لأنه يُقدَّر بـ"استقرّ". ومتى لم يكن خبرًا، سمّاه لَغْوًا. وذلك نحو قولك: "زيدٌ فيها قائمًا"، الظرف ها هنا مستقر؛ لأنه الخبر، والتقدير: "زيد استقر فيها"، و"قائما" حال، فإن رفعت "قائمًا" وجعلته الخبرَ، فقلت: "زيدٌ فيها قائمٌ" كان الظرف لغوًا, لأنه


(١) هود:٨.
(٢) الكتاب ١/ ٥٥ - ٥٦.
(٣) في الكتاب ١/ ٥٦ "يقولون".
(٤) الإخلاص: ٤ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>