للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فبرحمةٍ". وكذلك "عَمَّا قَلِيلٍ" يجوز في الكلام: "عن قليلٍ". وأمّا لزوم الزيادة، فعلى خلاف الدليل، فلا يُحْمَل عليه ما وُجد عنه مندوحةٌ، فاعرفه.

فصل [استعمال "إنْ"]

قال صاحب الكتاب: ولا تُستعمل "إن" إلا في المعاني المحتملة المشكوك في كونها, ولذلك قبح "إن احمر البسر كان كذا"، و"إن طلعت الشمس آتك" إلا في اليوم المغيم, وتقول: "إن مات فلان كان كذا"، وإن كان موته لا شُبهة فيه إلا أن وقته غير معلوم, فهو الذي حسّن فيه.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِنّ "إنّ" في الجزاء مبهمةٌ لا تُستعمل إلَّا فيما كان مشكوكًا في وجوده، ولذلك كان بالأفعال المستقبلة؛ لأنّ الأفعال المستقبلة قد توجَد، وقد لا توجَد، ولذلك لا تقع المجازاةُ بـ "إِذا" وإن كانت للاستقبال؛ لأنّ الذاكر لها كالمعترف بوجود ذلك الأمر، كقولك: "إذا طلعت الشمسُ فأتِني".

ولو قلت: "إن طلعت الشمس فأتني"، لم يحسن إلَّا في اليوم المُغيم الذي يجوز أن ينقشع الغَيمُ فيه، وتطلع الشمسُ، ويجوز أن يتأخّر، فقولُك: "إذا طلعت" فيه اعترافٌ بأنّها ستطلع لا محالةَ.

وحَقُّ ما يجازى به أن لا تدري أيكون أم لا يكون، فعلى هذا تقول: "إذا أحمرّ البُسْرُ فأتني"، وقبُح "إن احمرّ البسر"؛ لأن احمرار البسر كائنٌ.

وتقول: "إذا أقام الله القيامةَ عذّب الكفّارَ". ولا يحسن "إنْ أقام الله القيامة"؛ لأنّه يجعل ما أخبر الله تعالى بوجوده مشكوكًا فيه.

وربما استُعملت "إنْ" في مواضعِ "إذا"، و"إذا" في مواضعِ "إنْ"، ولا يبيّن الفرقُ بينهما

لِما بينهما من الشرْكة، وتقول من ذلك: "إن متُّ فافضوا دَيْنِي"، وإن كان موته كائنًا لا

محالةَ، فهو من مواضع "إذا"، إلَّا أن زمانه لمّا لم يكن متعينًا، جاز استعمالُ "إنْ" فيه. قال

الله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (١). وقال الشاعر [من مجزوء الكامل]:

١١٧٥ - كم شامِتٍ بي إن هلكتُ .... وقائل لله دَرُّه


(١) آل عمران: ١٤٤.
١١٧٥ - التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٩١.
اللغة والمعنى: الشامت: الفرحان لمصيبة غيره. لله دره: تعبير يقال لمن يتفوّق بصفة على غيره من بني جنسه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>