للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لو وقع في الجزاء فعلٌ ماضٍ صحيحٌ، لم يصحّ إلَّا بالفاء. ومعنى قولنا: "ماضٍ صحيحٌ" أن يكون ماضيًا لفظًا ومعنًى، نحوَ قولك: "إن أكرمتَني اليومَ فقد أكرمتُك أمسِ"؛ لأن الجزاء لا يكون إلَّا بالمستقبل، وإذا وقع ماضيًا، كان على تقدير خبرِ المبتدأ، أي: فأنا قد أكرمتُك أمس.

وربمّا حُذفت الفاء من المبتدأ إذا وقع جزاءً، وهي مرادةٌ. قال الشاعر [من البسيط]:

من يفعلِ الحَسَناتِ اللهُ يَشكُرُها ... والشَّرُّ بالشرّ عند الله مِثْلانِ

هكذا أنشده سيبويه، وقد أنشده غيرُه من الأصحاب [من البسيط]:

من يفعل الخيرَ فالرحمنُ يشكرُه

ولا يكون فيه ضرورةٌ على هذه الرواية.

وقد أقاموا "إذا" التي للمفأجاة في جواب الشرط، وهي ظرفُ مكان عن الفعل. قال الله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (١)، كأنّه قال: "فهم يقنطون"، والأصلُ: "يقنطوا". وإنما ساغت المجازاةُ بـ "إذا" هذه؛ لأنه لا بصحّ الابتداءُ بها، ولا تكون إلَّا مبنية على كلام، نحوَ: "خرجتُ فإذا زيدٌ" فـ "زيدٌ" مبتدأ، و"إذا" خبرٌ مقدَّمٌ، والتقديرُ: فحَضَرَني زيدٌ.

فإن قيل: فما هذه الفاءُ في قولك: "خرجتُ فإذا زيدٌ؟ " قيل: قد اختلف العلماء فيها، فذهب الزياديّ إلى أن دخولها هنا على حدّ دخولها في جواب الشرط. وذهب أبو عثمان إلى أنها زائدةٌ، إلَّا أنها زيادة لازمة على حد زيادةِ "ما" في قولهم: "افعل ذلك آثِرًا مّا". وذهب أبو بكر إلى أنها عاطفةٌ، كأنّه حمل ذلك على المعنى؛ لأنّ المعنى: خرجتُ فقد جاءني زيدٌ، وأنت إذا قلت ذلك، كانت الفاء عاطفة لا محالةَ، كذلك ما كان في معناه. وهو أقربُ الأقوال إلى السَّداد؛ لأن العمل على المعنى كثيرٌ في كلامهم.

فأمّا قول الزياديّ فضعيفٌ؛ لأنه لا معنى للشرط هنا، ولو كان فيه معنى الشرط، لأغنت "إذا" في الجواب عن الفاء، كما أغنت في قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (٢). وقول أبي عثمان لا ينفكّ من نوع ضُعّف أيضًا؛ لأن الفاء لو كانت زائدة، لجاز "خرجتُ إذا زيدٌ"؛ لأنّ الزائد حكمُه أنَ يجوز طرحُه، ولا يختل الكلامُ بذلك. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} (٣)، لما كانت زائدة، جاز أن تقول في الكلام لا في القرآن:


= انظر: البحر المحيط ٢/ ٣٢٥؛ وتفسير الطبري ٥/ ٥٨٥؛ وتفسير القرطبي ٣/ ٣٣٥؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٣٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ٢١٢.
(١) الروم: ٣٦.
(٢) الروم: ٣٦.
(٣) آل عمران: ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>