قال صاحب الكتاب: هو في الإرتفاع بعامل معنوي نظير المبتدأ وخبره, وذلك المعنى وقوعه بحيث يصح وقوع الاسم كقولك:"زيدٌ يضرب" رفعته, لأن ما بعد المبتدأ من مظان صحة وقوع الأسماء, وكذلك إذا قلت:"يضرب الزيدان", لأن من ابتدأ كلاماً منتقلاً إلى النطق عن الصمت, لم يلزمه أن يكون أول كلمة تفوه بها إسماً أو فعلاً، بل مبدأ كلامه موضع خبره في أي قبيل شاء.
* * *
قال الشارح: قد تقدّم القول: إن عامل الرفع في الفعل المضارع المرفوع إنما هو وقوعُه موقع الاسم، وموجبُ الإعراب مضارَعة الاسم فيهما غيران، والمعنى بوقوعه موقع الاسم أنه يقع حيث يصح وقوع الاسم، ألا ترى أنه يجوز أن تقول:"يضربُ زيدٌ"، فترفع الفعل إذ يجوز أن تقول:"أخوك زيد", لأنه موضع ابتداءِ كلام، وليس من شرطِ من أراد كلامًا أن يكون أوّلُ ما ينطق به فعلًا أو اسمًا، بل يجوز أن يأتي فيه بأيّهما شاء. ولذلك قال:"هو موضع خيرة"، أي كان المتكلم بالخِيار إن شاء أتى بالاسم، وإن شاء أتى بالفعل، هذا مذهب سيبويه (١).
وقد تَوهّم أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلبُ أن مذهب سيبويه؛ أن ارتفاعه بمضارَعة الاسم، ولم يعرف حقيقة مذهبه، وتَبِعَه على ذلك جماعة من أصحابه. والصحيحُ من مذهبه أن إعرابه بالمضارَعة، ورفعه بوقوعه موقع الاسم على ما ذكرنا. وذهب جماعة من البصريين إلى أن العامل في الفعل المضارع الرفع إنّما هو تَعَرّيه من العوامل اللفظيّة مطلقًا. وذلك ضعيف؛ لأنّ التعزّي عدمُ العامل، والعاملُ ينبغي أن يكون له اختصاص بالمعمول، والعدمُ نسبتُه إلى الأشياء كلّها نسبةً واحدةً، لا اختصاصَ له بشيء دون شيء، فلا يصحّ أن يكون عاملً. وزعم الفرّاء من