قال صاحب الكتاب: "و"كم" على وجهين: استفهامية وخبرية, فالاستفهامية تنصب مميزها مفرداً كمميز "أحد عشر" تقول: "كم رجلاً عندك؟ " كما تقول: "أحد عشر رجلاً", والخبرية تجره مفرداً أو مجموعاً كمميز "الثلاثة" و"المائة". تقول:"كم رجل عندي", و"كم رجال"، كما تقول "ثلاثة أثواب", و"مائة ثوب".
* * *
قال الشارح: قد تقدّم القول: إِن لـ"كَمْ" موضعَيْن: الاستفهام والخبرَ، فإذا كانت استفهامًا، كانت بمنزلةِ عدب منوَّنٍ، أو فيه نونً، نحو:"أحدَ عشرَ"، و"عشرين"، و"ثلاثين". فإذا قلت:"كم مالُك؟ " فقد سألتَ عن عدد؛ لأن "كَمْ" سؤالٌ عن عدد. فإن فسّرتَ ذلك العدد، جئت بواحد منكورٍ، فتنصبه على التمييز، فتقول:"كم درهمًا لك؟ " و"كم غلامًا عندك؟ " كما تقول: "أعشرون درهمًا لك؟ " فتُغمِل "كم" في "الدرهم" كما تُعمِل "العشرين"؛ لأنّ "العشرين" عددٌ منوّنٌ، فكذلك "كَمْ" عددٌ منوّنٌ. فكلُّ ما يحسن أن تُعمِل فيه "العشرين"، تعمل فيه "كَمْ". وإذا قُبح "العشرين" أن يعمل فيه، قُبح ذلك في "كَمْ"؛ لأنّ مجراهما واحد. وإنّما قدّرها بـ "أحدَ عشرَ"، ولا تنوينَ فيه، من قِبَل أنّه في حكم المنوّن، إذ كان المراد منه العطفَ. وإنّما حُذف منه التنوين للبناء كما يُحذف فيما لا ينصرف، نحو: قولك: "هؤلاء حواجُّ بيتَ الله"، فتنصب "بيت الله" بـ "حواجّ" مع حذف التنوين؟ لأنّ التنوين لم يكن حُذف منه لمعاقَبة الإضافة، وإنّما حُذف لعلّةِ مَنْع الصرف ومشابَهةِ الفعل. فكذلك "أحدَ عشرَ" أصلُه التنوين، وإنّما أوجب سقوطَه البناء ومشابهةُ الحرف.
وحكمُ "كم" حكمُ العشرين. و"الأحد عشر" في أن أصلها الحركة والتنوينُ، وإنّما سقطا لمكان البناء. فكذلك نُصب ما بعد "كم" بتقدير التنوين، كما يُنصَب ما بعد "أحد عشر" بتقدير التنوين.
وأمّا الخبريّة، فإنّها تُبيَّن بالواحد والجمع، وتُضاف إلى المعدود، وذلك نحو "كم رجلٍ عندك! " و"كم غِلْمانٍ لك! " لأنّها بمنزلةِ اسم منصرف في الكلام منوّنٍ يجُرّ ما بعده إذا سقط التنوين، وذلك نحو:"مائَتَا درهمٍ"، فانْجَرَّ "الدرهمُ" لمّا سقط التنوين، ودخل فيما قبله؛ لأنّ المضاف إليه داخلٌ في المضاف. وإنّما كان كذلك من قِبَل أنّ "كم" واقعةٌ على العدد، والعددُ منه ما ينصب مميِّزَه، نحو قولك:"عندي خمسةَ عشرَ ثَوْبًا، وعشرون عِمامَةً". ومنه ما يضاف إلى مميِّزه، وذلك على ضربَيْن: منه ما يضاف إلى الجمع نحو "ثلاثةُ أثوابٍ إلى العشرة"، ومنه ما يضاف إلى الواحد، نحو:"مائةُ درهمٍ"،