قال صاحب الكتاب: فالمتعدي على ثلاثة أضرب: متعد إلى مفعول به, وإلى اثنين وإلى ثلاثة. فالأول نحو قولك:"ضربت زيداً"، والثاني نحو كسوت زيداً جبة، وعلمت زيداً فاضلاً. والثالث نحو أعلمت زيداً عمراً فاضلاً وغير المتعدي ضربٌ واحد وهو ما تخصص بالفاعل كذهب زيد ومكث وخرج ونحو ذلك.
* * *
قال الشارح: اعلم أن الأفعال على ضربين: متعدّ وغير متعدّ، فالمتعدّي ما يفتقر وجودُه إلى محل غير الفاعل. والتعدي التجاوُز، يُقال:"عدا طَوْرَه"، أي: تَجاوز حَدّه، أي: إن الفعل تجاوز الفاعلَ إِلى محل غيره، وذلك المحلّ هو المفعول به، وهو الذي يحسن أن يقع في جواب:"بمَن فعلتَ؟ " فيقال: "فعلتُ بفلان"، فكل ما أنْبأ لفظُه عن حلوله في حيزٍ غير الفاَعل، فهو متعدّ، نحوُ:"ضرب"، و"قتل". ألا ترى أن الضرب والقتل يقتضيان مضروبًا ومقتولاً، وما لم يُنْبِىءْ لفظُه عن ذلك، فهو لازمٌ غير متعدّ، نحوُ:"قام"، و"ذهب". ألا ترى أن القيام لا يتجاوز الفاعلَ، وكذلك الذهاب؟ ولذلك لا يقال:"هذا الذهابُ بمن وقع" وكذلك القيام، بخلافِ "ضرب" وأشباهه، فإنّه لا يكون ضربا حتى يوقِعه فاعلُه بشخص.
والمتعدّي على ثلاثة أضرب: متعدّ إلى مفعول واحد، يكون عِلاجًا، وغير علاج، فالعلاجُ ما يفتقر في إيجاده إلى استعمالِ جارحة أو نحوها، نحوُ:"ضربت زيدًا"، و"قتلت بكرًا". وغيرُ العلاج ما لم يفتقر إلى ذلك، بل يكون ممّا يتعلّق بالقلب، نحوُ:"ذكرت زيدًا"، و"فهمت الحديثَ"، وذلك على حسب ما يقتضيه ذلك الفعلُ، نحوُ:"أكرمتُ زيدًا"، و"شربت الماءَ"، و"أرْوَى أخاك الماءُ".
ومن المتعدي إلى مفعول واحد أفعالُ الحواسّ، كلُها يتعدى إلى مفعول واحد،