للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"بِيَدٍ", لأنّ المراد: أخَذَ منّي، وأعطاني، فهما من اثنين أيضًا، وكذلك: "بيّنتُ له حِسابَه بابًا بابًا"، لو قلت: "بابًا" من غيرِ تكرير، لَتُوُهّم أنّه رتّبه بابًا واحدًا، وليس المعنى عليه، وإنّما المرادُ به جعلُه أصنافًا، فاعرفه.

[فصل [تنكير الحال وتعريفها]]

قال صاحب الكتاب: "ومن حقها أن تكون نكرة، وذو الحال معرفة, وأما "أرسلها العراك"، و"مررت به وحده"، و"جاؤا قضهم بقضيضهم"، و"فعلته جهدك, وطاقتك"، فمصادر قد تكلم بها على نية وضعها في موضع مالا تعريف فيه، كما وضع "فاه إلى فيّ" موضع "شفاهًا"، وعُنى معتركة، منفرداً وقاطبة وجاهداً. ومن الأسماء المحذوِّ بها حذو هذه المصادر قولهم: "مررت بهم الجماء الغفير" (١) , وتنكير ذي الحال قبيحٌ, إلا إذا قدمت عليه ,كقوله [من الوافر]:

٢٨٠ - لعزة موحشًا طللٌ قديم ... [عفاهُ كلُّ أسحم مستديم]

* * *

قال الشارح: إنّما استحقّت الحالُ أن تكون نكرةً، لأنّها في المعنى خبرٌ ثانٍ، ألا ترى أنّ قولك: "جاء زيدٌ راكبًا" قد تضمّنَ الإخبارَ بمَجيءِ زيد ورُكوبِه في حالِ مجيئه، وأصلُ الخبر أن يكون نكرةً، لأنّها مستفادةٌ، وأيضًا فإنّها تُشْبِه التمييزَ في الباب، فكانت نكرةً مثلَه، وإنّها تقع في جواب "كيف جاء". و"كَيْفَ" سؤالٌ عن نكرة. وإنّما لزم أن يكون صاحبُها معرفةً لما ذكرناه من أنّها خبرٌ ثانٍ، والخبرُ عن النكرة غيرُ جائز، ولأنّه إذا كان نكرةً، أمكن أن تجري الحالُ صفةً، ولا حاجةَ إلى مخالَفتها إيّاه في الإعراب، إذ لا


(١) هذا القول جعله الميداني من أمثال العرب. (مجمع الأمثال: ٢/ ٢٧١)، ومعناه: مررتُ بجماعتهم.
٢٨٠ - التخريج: البيت لكثير عزة في ملحق ديوانه ص ٥٣٦؛ وشرح التصريح ١/ ٣٧٥؛ وله أو لذي الرمة في خزانة الأدب ٣/ ٢٠٩؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ٣٠٠.
اللغة: الطَّلَلُ: ما شخص من آثار الديار. الأسحم: الأسود، والمراد به السحاب الممتلئ مطرًا.
المعنى: يريد أن ديار محبوبته هذه مقفرة من أهلها، فليس فيها سوى الأطلال البالية التي مسحتها أمطار هذا السحاب الأسود الدائم المطر.
الإعراب: "لعزّة": جار ومجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. "موحشًا": حال منصوبة بالفتحة. "طَلَلٌ": مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. "قديم": صفة "طلل" مرفوعة بالضمّة. "عفاه": فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدّر على الألف للتعذُّر، والهاء: ضمير متّصل مبني في محل نصب مفعول به. "كلُّ": فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. "أسحم": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. "مستديم": صفة لـ "كلّ" مرفوع.
وجملة "طلل لعزة": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "عفاه": في محل رفع صفة لـ "طلل".
والشاهد فيه: تنكير صاحب الحال "طلل" مع تقدّم الحال عليه، وهذا غيرُ قبيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>