للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعمل. وإذا لم يكن لها تأثيرٌ في العمل- والابتداءُ له تأثيرٌ- فإضافةُ ما لا تأثيرَ له إلى ما له تأثير لا تأثيرَ لها (١). ويمكن أن يُقال: إن الشيئَيْن إذا تَركَّبا، حدث لهما بالتركيب معنى لا يكون في كلّ واحد من أفرادِ ذلك المركَّب. والذي أراه أنّ العامل في الخبر هو الابتداءُ وحدَه، على ما ذُكر، كما كان عاملًا في المبتدأ؛ إلا أن عمَله في المبتدأ بلا واسطةٍ، وعملَه في الخبر بواسطةِ المبتدأ، يعمل في الخبر عند وجودِ المبتدأ، وإن لم يكن للمبتدأ أثَرٌ في العمل، إلَّا أنّه كالشرط في عمله، كما لو وضعتَ ماءً في قِدْرة، ووضعتها على النار، فإنّ النار تُسخّن الماءَ، فالتسخينُ حصل بالنار عند وجودِ القِدْر، لا بها، فكذلك هنا.

وذهب قومٌ إلى أن الابتداء عمل في المبتدأ، والمبتدأ وحده عمل في الخبر. وهذا ضعيفٌ؛ لأن المبتدأ اسمٌ، كما أن الخبر اسمٌ، وليس أحدُهما بأوْلى من صاحبه في العمل فيه, لأن كلّ واحد منهما يقتضي صاحبه.

[فصل [نوعا المبتدأ]]

قال صاحب الكتاب: "والمبتدأ على نوعين معرفة وهو القياس، ونكرة إما موصوفة كالتي في قوله عز وجل: {ولعبد مؤمن} (٢) وإما غير موضوفة كالتي في قولهم "أرجل في الدار أم امرأة"؟ و"ما أحدٌ خيرٌ منك"؛ و"شر أهر ذا نابٍ" (٣) و"تحت رأسي سرجٌ"،و "علي أبيه دِرعٌ"".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ أصلَ المبتدأ أن يكون معرفة، وأصلَ الخبر أن يكون نكرة؛ وذلك لأنّ الغرض في الإخبارات إفادةُ المخاطَب ما ليس عنده، وتنزيلُه منزلتَك في علمِ ذلك الخبر. والإخبار عن النكرة لا فائدةَ فيه؛ ألا ترى أنك لو قلت: "رجلٌ قائمٌ"، أو "رجلٌ عالمٌ"، لم يكن في هذا الكلام فائدةٌ، لأنّه لا يُستنكر أن يكون رجلٌ قائمًا وعالمًا، في الوجود، ممّن لا يعرفه المخاطَبُ. وليس هذا الخبرُ الذي تُنزَّل فيه المخاطبَ منزلتَك فيما تعلم.


(١) في الطبعتين: "له"، والتصحيح عن جدول التصحيحات المرفق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٥.
(٢) البقرة: ٢٢١.
(٣) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في خزانة الأدب ٤/ ٤٦٩، ٩/ ٢٦٢؛ وزهر الأكم ٣/ ٢٢٩؛ ولسان العرب ٥/ ٢٦١ (هرر)؛ ومجمع الأمثال ١/ ٣٧٠؛ والمستقصى ٢/ ١٣٠.
وذو الناب: الكلب. وأهرَّ الكلبَ: جعله يهرّ، أي: جعله يُصوِّت دون أن ينبح. يُضرب عند ظهور أمارات الشّرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>