قال صاحب الكتاب: ما بني منهما من الثلاثي المجرد على ضربين: مفتوح العين ومكسورها, فالأول بناؤه من كل فعل كانت عين مضارعة مفتوحة كالمشرب والملبس والمذهب، أو مضمومة كالمصدر والمقتل والمقام، إلا أحد عشر إسماً وهي المنسك والمجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق والمسقط والمسكن والمرفق والمسجد.
* * *
قال الشارح: الغرض من الإتيان بهذه الأبنية ضربٌ من الإيجاز والاختصار، وذلك أنّك تفيد منها مكان الفعل وزمانه؛ ولولاها لزمك أن تأتي بالفعل ولفظِ المكان والزمان، فاشتقوا المكان والزمان من الثلاثيّ، ولا يكاد يكون من الرباعيّ، وذلك يجيء على مثال الفعل المضارع على "يفعل"، إلَّا أنك توقع الميم موقعَ حرف المضارعة للفصل بين الاسم والفعل، فهذا كان المضارع منه على "يَفْعَلُ" مفتوحَ العين؛ فـ "المَفْعَلُ" منه كذلك، نحوُ:"المَلْبَس"، و"المَشْرَب"، و"المَذْهَب"، وكان يلزم على هذا أن يُقال فيما المستقبلُ منه "يَفْعُلُ" بالضمّ: "مَفْعُل"، فيقال فى المكان من "قتل يقتُل": "مَقْتُلٌ"، ومن "قعد يقعُد": "مَقْعُدٌ" غيرَ أنّهم عدلوا عن هذا؛ لأنّه ليس في الكلام "مَفْعُل" إلَّا بالهاء، كقولك:"مَكْرُمَة"، و"مقْبُرَة" ونحوِهما، فعدلوا إلى أحد اللفظَيْن الآخرَيْن، وهو "مَفْعَل" بالفتح؛ لأن الفتح أخفّ.
وقد جاءت عن العرب أحد عشر اسمًا على "مَفْعِلٍ" في المكان مما فعله على "يَفْعُلُ" بالضمّ، وذلك "مَنْسِكٌ" لمكان النُّسْك، وهو العبادة، وهو من "نَسَكَ ينسُك"، إذا عبد، و"المَجْزِر" لمكان جَزْر الإبل، وهو نَحْرها، يُقال:"جزرتُ الجَزُور أجزُرها" بالضمّ إذا نحرتَها، وجلّدتَها، و"المَنْبِت" لموضع النَّبات، يُقال:"نبت البقلِ ينبُت" إذا طلع، و"المَطْلِعُ" مكان الطلوع، وقد يكون مصدرًا بمعنى الطلوع، وعليه قراءةُ من قرأ:{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(١).
(١) القدر: ٥. وهذه قراءة الكسائي، والأعمش، وابن محيصن، وغيرهم. انظر: البحر المحيط =