قال صاحب الكتاب: الحرف ما دل على معنى في غيره, ومن ثم لم ينفكَّ من اسم أو فعل يصحبه.
* * *
قال الشارح: لمّا فرغ من الكلام على قسمَيِ الاسم والفعل، انتقل إلى الكلام على الحرف. والحرف كلمة دلّت على معنى في غيرها. فقولُنا:"كلمة" جنسٌ عامٌّ يشمل الاسمَ والفعلَ والحرفَ، وقولُنا:"دلّت على معنى في غيرها" فصل ميزه من الاسم والفعل، إذ معنى الاسم والفعل في أنفسهما، ومعنى الحرف في غيره، ألا تراك إذا قلت:"الغلام" فُهم منه المعرفة، ولو قلت:"أل" مفردةً، لم يُفْهَم منه معنًى؟ فإذا قُرن بما بعده من الاسم، أفاد التعريف في الاسم، فهذا معنَى دلالته في غيره.
وقولهم:"ما دل على معنى في غيره" أمثلُ من قولِ من يقول: "ما جاء لمعنى في غيره"؛ لأن في قولهم:"ما جاء لمعنى في غيره"؛ إشارةً إلى العلّة، والمراد من الحدّ الدلالة على الذات، لا على العلّة التي وُضع لأجلها، إذ علّةُ الشيء غيرُه. وقولنا:"كلمة" أسدٌّ من قوله: "ما دل"؛ لأن الكلمة أقرب من الحرف، فهي أدلُّ على الحقيقة.
وقد زعم بعضهم أن هذا الحدّ يفسُد بـ "أيْنَ"، و"كَيْفَ"، ونحوِهما من أسماء الاستفهام، و"مَنْ"، و"ما" ونحوِهما من أسماء الجزاء، فإن هذه الأسماء تفيد الاستفهام فيما بعدها، وتفيد الجزاء، فتُعلِّق وجودَ الفعل بعدها على وجود غيره، وهذا معنى الحروف. والجوابُ عن هذا الإشكال أن هذه الأسماء دلّت على معنى في نفسها بحكم الاسمية، فـ "أيْنَ" دلّت على المكان، و"كَيْفَ"، دلّت على الحال، وكذلك أسماء الجزاء، فـ "مَن" دلّت على من يعقل، و"ما"، دلّت على ما لا يعقل. وأمّا دلالتهما على الاستفهام والجزاء، فعلى تقدير حرفَيْهما، فهما شيئان دلّا على شيئَيْن، فالاسم دلّ على مسمّاه، والحرفُ أفاد في غيره معناه. ويؤيد ذلك بناؤها لتضمُّنها معنى الحرف، وإنما يلزم أن لو كانت هذه الأسماء باقية على بابها من الاسميّة والتمكّنِ، وقد دلّت على هاتَيْن الدلالتَيْن، ليكون كاسرًا للحدِّ. وربما احترز بعضهم من ذلك، فقال: "ما دلّ على معنى في غيره