قلت:"مساجِدُ"، فليست الفتحة في الميم هي الفتحةَ في ميم "مَسْجِدٍ". يدلّك على ذلك أنّك تقول:"بُرْثُنٌ"، و"بَراثِنُ"، و"زِبْرِجٌ"، و"زَبَارجُ"، فكما لا تشُكّ أنّ الأول من "براثن"، و"زبارج" فتحٌ لأجل الجمع، فكذلك في "مَساجِدَ". وتزيد فيهما حرفًا من حروف المدّ ثالثًا، إلَّا أنّ المَزيد في التكسير ألفٌ، وفي التصغير ياءٌ, وتكسر ما بعد الياء في المصغّر، كما تكسر ما بعد الألف في المكسّر، فلمّا كان بينهما من المناسَبة ما ذكرنا، قيل: إنّهما من واد واحد، فاعرفه.
فصل [ردّ الاسم المحذوف منه شيء إلي أصله في التصغير]
قال صاحب الكتاب: وكل اسم على حرفين, فإن التحقير يرده إلى أصله حتى يصير إلى مثال فعيل. وهو على ثلاثة أضرب: ما حذف فاؤه أو عينه أو لامه، تقول في "عدةٍ", و"شيةٍ", و"كل", و"خذ" اسمين: "وُعيدة" و"وُشية" و"أُكيلٌ" و"أُخيذٌ"، وفي "مذ" و"سل" اسمين و"سهٍ": "منيذٌ", و"سُؤيل", و"سُتيهةٌ"، وفي "دمٍ" و"شفةٍ" و"حرٍ" و"فُلٍ و"فَمٍ": دمي وشفيهة وحُريح وفُلين وفُويه.
* * *
قال الشارح: اعلم أنه لا يجوز أن يصغر اسم على أقل من ثلاثة أحرف؛ لأنّ أدنى أبنية التصغير "فُعَيْلٌ"، وذلك لا يكون إلَّا من بنات الثلاثة؛ لأن ياء التصغير تقع ثالثة ساكنة، وأدنى ما يقع بعدها حرفٌ يكون حرفَ الإعراب، نحوَ: "رُجَيْلٍ"، و"جُمَيْل". ولو صُغر ما هو على حرفَين، لوقعت ياءُ التصغير ثالثة طرفًا، فكان يلزم تحريكها بحركات الإعراب، وهي لا تكون إلَّا ساكنة؛ لأتها رسيلةُ ألف التكسير في "رجالٍ"، و"جِمالٍ"، و"جَعافِرَ"، و"مَساجِدَ". وكان يؤدّي ذلك إلى قلب ياء التصغير ألفًا؛ لتحرُّكها وانفتاحِ ما قبلها أو حذْفِها إذا وقع بعدها التنوينُ، وكلُ ذلك محظورٌ لِما يلزم فيه من نقص الغرض باجتلاب ياء التصغير.
فإن كان الاسم المتمكّن على حرفَيْن، وذلك إنما يكون بحذِف حرف منه، إذ أقل ما يكون عليه الأسماءُ المتمكنةُ ثلاثةُ أحرف. وذلك على ثلاثة أضرب: أحدها ما ذهبت فاؤُه، الثاني ما ذهبت عينه، الثالث ما ذهبت لامه. فالبابُ فيما كان من ذلك أن يُرَدّ الاسم في التصغير إلى أصله حتى يصير إلى مثال "فُعَيْلٍ"، وكان ردُّه إلى أصله أوْلى من اجتلاب حرف غريب.
فالأولُ، نحو: "عِدَة"، و"زِنَة"، و"شِيَةٍ"، ففاءُ هذه الأسماء واوٌ محذوفةٌ، والأصلُ: "وَعْدَةٌ"، وَ"وَزْنَة"، وَ"وَشْيَة". يدل على ذلك "الوَعْد"، و"الوَزْن"، و"الوَشْي"، فإذا صغرتها، قلت: "وُعَيْدَةٌ"، و"وُزَيْنَةٌ"، وَ"وُشَيةٌ"، وإن شئت، همزتَ