قال صاحب الكتاب:"ويحذفه الحجازيون كثيراً, فيقولون: "لا أهل، ولا مال"، و"لا بأس"، و"لا فتى إلا عليّ", و"لا سيف إلا ذو الفقار". ومنه كلمة الشهادة, ومعناها لا إله في الوجود إلا الله, وبنو تميم لا يثبتونه في كلامهم أصلاً".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّهم يحذفون خبر "لا" من "لا رجلَ ولا غلامَ"، و"لا حَوْلَ ولا قوّة" وفي كلمة الشهادة؛ نحو:"لا إله إلا اللهُ"، والمعنى: لا رجلَ ولا غلامَ لنا، ولا حول ولا قوّة لنا، وكذلك لا إله في الوجود إلّا الله، ولا أهلَ لك، ولا مالَ لك، ولا بَأْسَ عليك، ولا فَتَى في الوجود إلا علىٌّ، ولا سيفَ في الوجود إلَّا ذو الفَقار. فالخبرُ الجارُّ مع المجرور، وهو محذوفٌ، ولا يصحّ أن يكون الخبر "اللهُ" في قولك: "لا إله إلا الله". وذلك لأمرين: أحدهما أنَّه معرفةٌ و"لا" لا تعمل في معرفة. الثاني أنّ اسم "لا" هنا عامٌ؛ وقولك:"إلا الله" خاصُّ، والخاصُّ لا يكون خبرًا عن العامّ. ونظيره:"الحَيَوانُ إنسانٌ"، فإنّه ممتنعٌ, لأن في الحيوان ما ليس بإنسان، وقولك:"الإنسانُ حَيَوانٌ" جائزٌ لأنّ الإنسان حيوانٌ حقيقةً، وليس في الإنسان ما ليس بحيوان، ويجوز إظهارُ الخبر، نحو:"لا رجلَ أفضلُ منك"، و"لا أحد خيرٌ منك"، هذا مذهبُ أهل الحجاز.
وأمّا بنو تميم فلا يجيزون ظهورَ خبرِ "لا" ألبتّة، ويقولون هو من الأصول المرفوضة، ويتأوّلون ما ورد من ذلك، فيقولون في قولهم:"لا رجل أفضلُ منك": إِنَّ "أفضلُ" نعتٌ لـ "رجل" على الموضع. وكذلك "خيرٌ منك" نعتٌ لـ "أحَدَ" على الموضع. وكان أبو العبّاس المبرَّد يُجوِّز أن يكون "أفضلُ منك" مرفوعًا بـ"لا" على الخبر، ويجوز أن يكون رفعًا بخبرِ الابتداء إذ كانت "لا" وما بعدها في موضع ابتداء على ما تقدّم، وأمّا النبي الذي هو [من البسيط]:
ولا كريمَ من الوِلْدان مصبوحُ
فأنشده لحاتم الطائيّ، وما أظُنُّه له. قال الجَرْميّ: هو لأبي ذُؤَيْب الهُذَليّ وقبله:
هلّا سَأَلْتِ هَداكِ الله ما حَسَبِي ... عند الشِّتاء إذا ما هَبّتِ الرِّيحُ
وَردَّ جازِرُهم حَرْفًا مصرَّمة ... ولاكريمَ من الوِلْدان مصبوحُ
المصبوح: الذي سُقيَ اللَّبَنَ صَباحًا. وصف سنةً شديدة الجَدْب، قد ذهبت بالمرتفق، فاللبنُ عندهم متعذرٌ، لا يسقاه الوليدُ الكريمُ فضلًا عن غيره لعدمه، فجازرهم يرّد عليهم من المَرْعَى ما ينحَرونه للضَّيْف، إذ لا لَبَنَ عندهم. والحَرْف: الناقة المُسِنّة.