قال صاحب الكتاب: وهي التاء في "ضربت". ودخولها للإيذان من أول الأمر بأن الفاعل مؤنث, وحقها السكون ولتحركها في "رمتا" لم ترد الألف الساقطة؛ لكونها عارضة إلا في لغة رديئه يقول أهلها:"رماتا".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ هذه التاء تلحق لفظَ الفعل الماضي، نحوَ قولك:"قامتُ هندُ"، و"قعدت جُمْلُ". وهي تُخالِف تاءَ التأنيث من جهتَين: من جهة المعنى ومن جهة اللفظ. فأمّا المعنى، فإنّ تاء التأنيث اللاحقة للأسماء إنّما تدخل لتأنيث الاسم الداخلة عليه، نحوَ قولك:"قائمةٌ"، و"قاعدةٌ"، و"امرأةٌ". واللاحقةُ الأفعالَ إنّما تدخل لتأنيث الفاعل إيذانًا منهم بأنّه مؤنّثٌ، فيُعلَم ذلك من أمره قبل الوصول إليه وذِكْرِه.
والذي يدلّ على أنّ المقصود بالتأنيث إنّما هو الفاعل لا الفعل أنّ الفعل لا يصحّ فيه معنى التأنيث، وذلك من قبل أنّه دالٌ على الجنس، والجنسُ مذكّرٌ لشِياعه وعمومِه. والشيءُ كلّما شاع وعمّ فالتذكيرُ أوْلى به من التأنيث، ألا ترى أنّ شَيئًا مذكّرةٌ، وهو أعمُّ الأشياء وأشيعُها, ولذلك قال سيبويه: لو سمّيتَ امرأةً بـ "نِعْمَ" و"بِئسَ" لم تصرفهما؛ لأنّ الأفعال كلّها مذكّرٌ لا يصحّ تأنيثُها. وأيضًا فلو كان المراد تأنيث الفعل دون فاعله؛ لجاز "قامتْ زيدٌ"، كما تقول:"قام زيدٌ ثمَّتَ عمروٌ"، و"رُبَّتَ رجلٍ لقيتُ". فلمّا لم يجز ذلك، صحّ أنّ التاء في "قامت هندٌ" لتأنيث الفاعل الذي يصحّ تأنيثُه، لا لتأنيث الفعل الذي لا يصحّ تأنيثُه.
أمّا اللفظ، فإنّ تاء التأنيث اللاحقة للأسماء تكون متحرّكة في الوصل، نحوَ قولك:"هذه امرأةٌ قائمةٌ يا فَتى"، و"رأيت امرأةً قائمةً يا فتى"، و"مررت بامرأةٍ قائمةٍ يا فتى"، والتاء التي تلحق الأفعالَ لا تكون إلَّا ساكنة وَصلًا ووَقفًا. وذلك قولك "قامتْ هندٌ"، "هندٌ قامت". فإن لَقِيَها ساكنٌ بعدها، حُرّكت بالكسر لالتقاء الساكنين، نحوَ قولك: