للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاله من الإعراب، وجعله، وإن لم يُذكَر، بمنزلة الثابت الملفوظ به، ونظيرُه قوله [من المتقارب]:

أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً ... ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نارًا (١)

فإنه خفض "نارًا" على تقديرِ: وكلَّ نارٍ، ومثلُه قولهم: "ما كلُّ سَوْداءَ تَمْرَةً، ولا بَيضاءَ شَحْمَةً" (٢)، وقد تقدّم نحو ذلك.

[النَّسَب الحقيقي والنَّسَب غير الحقيقي]

قال صاحب الكتاب: وكما انقسم التأنيث إلى حقيقي وغير حقيقي فكذلك النَّسَبُ, فالحقيقي ما كان مؤثراً في المعنى, وغير الحقيقي ما تعلق باللفظ فحسب، نحو: "كرسي", و"بردي". وكما جاءت التاء فارقة بين الجنس وواحده، فكذلك الياء, نحو: "رومي", و"روم", و"مجوسي", و"مجوس".

* * *

قال الشارح: قد أيَّدَ صاحب الكتاب بما ذكره قوّةَ المشابهة بين النسب والتأنيث، وذلك أنّ التأنيث كما يكون حقيقيًّا وغير حقيقي. فالحقيقيُّ ما كان مسمّاه مؤنّثًا، فدخلت العلامةُ في اسمه للإيذان بذلك. وغيرُ الحقيقيّ ما تَعلّق التأنيث باللفظ دون مدلوله، نحو: "قَريَةٍ"، و"غُرفَةٍ". فكذلك النسبُ قد يكون حقيقيًّا وغير حقيقيّ، فالحقيقيّ ما كان مُوْثرًا، أي: دالا على نسبه إلى جهة من الجهات المذكورة كالأب والبلدة والصناعة، نحو: "هاشِميّ"، و"بَصْريّ"، و"مُلحَميّ". وغيرُ الحقيقيّ ما لا يدلّ على نسبه إلى شيء ممّا ذُكر، بل يكون اللفظ كلفظ المنسوب بأن يكون في آخره زيادةُ النسب، كقولنا: "كُرسِيٌّ"، و"بَرْديٌّ"، و"قُمْريّ"، و"بُختيّ". ألا ترى أنّ "كُرْسًا" من "كُرْسيٍّ" ليس بأبٍ، ولا بلدةٍ، ولا شيء ممّا يُنسَب إليه، وإنّما هو شيءٌ تَعلّق باللفظ. ويؤيد ذلك عندكَ أنّ "كرسيًّا"، و"برديًّا" اسمان كما ترى، ولو كانا منسوبَين حقيقةً؛ لخرجا إلى حيّز الصفة، كما خرج "هاشِمٌ" و"قَيْسٌ" إلى حيّز الصفة في قولك: "رجلٌ هاشميّ وقيسيّ". قال: ويؤيّد عندك قوّةَ الشَّبَه بينهما أنّه كما يُفصَل بتاء التأنيث بين الواحد وجنسه في نحو: "تَمرَةٍ"، و"تَمرٍ"، و"شَعِيرةٍ"، و"شعيرٍ"، كذلك فُصل بينهما بياءي النسبة، فقالوا في الواحد: "رُومِيٌّ"، وفي الجمع: "رُومٌ"، وقالوا: "زَنْجيٌّ"، وفي الجمع: "زَنْجٌ"، و"مَجُوسيٌّ"، و"مَجُوسٌ".


(١) تقدم بالرقم ٣٩٧.
(٢) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في لسان العرب ١١/ ٥٩١ (كلل)؛ والفاخر ص ١٩٥؛ ومجمع الأمثال ٢/ ٢٨١؛ والمستقصى ٢/ ٣٢٨؛ والوسيط في الأمثال ص ١٦١.
يُضرب في اختلاف أخلاق الناس وطباعهم. وقيل: يُضرب في موضع التَّهمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>