فهذه الياء اللاحقة شبيهةٌ بالتاء اللاحقة بالمؤنّث، وذلك من قِبَل أنّ الياء علامةٌ لمعنى النسب، كما أنّ التاء علامةٌ لمعنى التأنيث. وكلُّ واحد منهما يمتزج بما يدخل عليه، حتى يصير كجُزْء منه، وينتقل الإعرابُ إليه، فتقول:"هذا رجلٌ بَصْرِيٌّ"، و"رأيت رجلًا بصريًّا"، و"مررت برجلٍ بصريٍّ"، كما تقول:"هذه امرأة قائمة"، و"رأيت امرأة قائمة"، و"مررت بامرأة قائمة". فكلُّ واحدة من الزيادتين - أعني الياء في النسب والتاء في المؤنّث - حرفُ إعراب لِما دخل فيه. وإنّما صارا بمنزلة الجزء ممّا دخلا فيه من قِبَل أنّ العلامة أحدثت في كلّ واحد من المنسوب والمؤنّث معنًى لم يكن، فصار الاسمُ بالعلامة مركبًا، والعلامةُ فيه من مُقَوّماته، فتنزّلت العلامةُ في كلّ واحدٍ منهما منزلة أداة التعريف في "الرجل" و"الغلام"، فكما أنّ الألف واللام جزءٌ ممّا دخلتا فيه، فكذلك ياء النسب وتاء التأنيث. والذي يدلّ على أنّ الألف واللام جزءٌ ممّا دخلتا فيه أنّ العامل يتخطّاهما إلى ما بعدهما من الاسم المعرَّف، فيعمل فيه.
وإنما كانت ياء النسب مشدّدة لأمرَيْن: أحدُهما أنّ لا تلتبِس بياء المتكلّم، والثاني أنّها لو لحقت خفيفةً، وما قبلها مكسورٌ؛ لثقُل عليها الضمّةُ والكسرةُ، كما ثقُلتا على القاضِي والداعِي، وكانت مُعرَّضة للحذف إذا دخل عليها التنوينُ، فحصّنوها بالتضعيف، ووقع الإعرابُ على الثانية، فلم تثقل عليها ضمّةٌ ولا كسرةٌ؛ لسكون الياء الأولى. وإنّما كان ما قبلها مكسورًا لأمرَيْن: أحدُهما أنّها مدّةٌ ساكنةٌ، وإنّما ضُوعِفت خوفَ اللَّبْس، وحرفُ المدّ لا تكون حركةُ ما قبله إلا من جنسه. الأمر الثاني: أنّه لما وجب تحريكُ ما قبلها لسكونها, لم يُفتَح لئلا يلتبس بالمثنّى، فكانت الكسرة أخفَّ من الضمّة، فعدلوا إليها.
فإن قيل: فهل هذه الياء حرفٌ، أو اسمٌ؟ فالجواب أنّها حرف كتاء التأنيث، لا موضعَ لها من الإعراب. وذهب الكوفيون إلى أنّها اسم في موضع مجرور بإضافة الأوّل إليه، واحتجّوا بما يُحكَى عن العرب:"رأيتُ التَّيْمِيَّ تَيْمِ عَدِيِّ" بجَرِّ "تَيْم" الثاني، جعلوه بدلًا من الياء في "التيميّ". وإذا كان بدلاً منه، كان اسمًا؛ لأنّ حكم البدل حكمُ المُبْدَل منه. وهو فاسدٌ من قِبَل أنّ الياء حرفُ معنى دالٌّ على معنى النسب، كما أنّ تاء التأنيث حرف دالّ على معنى التأنيث، وليست كنايةً عن مسمًّى؛ فيكونَ لها موضعٌ من الإعراب، مع أنّ الاسم الذي له موضعٌ من الإعراب هو الذي يَتعذّر ظهورُ الإعراب في لفظه، فيُحكَم على محلّه. وأمّا ما حكوه من قولهم:"رأيتُ التيميَّ تَيْمِ عَدِيّ"، فإن صحّت الروايةُ، فهو محمولٌ على حذف المضاف، كأنّه لمّا ذكر "التيميّ"، دلّ ذكرُه إيّاه على "صاحبٍ"، فأضمره للدلالة عليه، فكأنّه قال:"صاحب تَيْمِ عَدِيٍّ" أو"ذَا تَيْمِ عديّ"، ثم حذف المضاف، وأبقى المضاف إليه على