"ضَرَبَ"، فإنه يدلّ على ما مضى من الزمان، وعلى معنى الضرب. و"كَانَ" إنمّّا تدلّ على ما مضى من الزمان فقط، و"يَكُونُ"، تدلّ على ما أنت فيه، أو على ما يأتي من الزمان، فهي تدلّ على زمان فقط. فلمّا نقصت دلالتُها، كانت ناقصة.
وقيل:"أفعال عبارة" أي: هي أفعال لفظيةٌ لا حقيقيةٌ, لأنّ الفعل في الحقيقة ما دلّ على حَدَث، والحدثُ الفعل الحقيقى، فكأنه سُمّي باسمِ مدلوله. فلمّا كانت هذه الأشياء لا تدل على حدث، لم تكن أفعالاً إلَّا من جهة اللفظ والتصرّف؛ فلذلك قيل:"أفعال عبارة"، إلَّا أنها لمّا دخلت على المبتدأ والخبر، وأفادت الزمان في الخبر، صار الخبرُ كالعوض من الحدث، فلذلك لا تتمّ الفائدةُ بمرفوعها حتى تأتي بالمنصوب.
وحيث كانت داخلة على المبتدأ والخبر، وكانت مُشْبِهة للفعل من جهة اللفظ، وجب لها أن ترفع المبتدأ، وتنصب الخبر تشبيهًا بالفعل إذ كان الفعل يرفع الفاعلَ، وينصب المفعولَ، فقالوا:"كان زيد قائمًا"، و"أصبح البرد شديدًا". وحيث كان المرفوع ها هنا والمنصوب لحقيقة واحدة، ولم يكونا كالفاعل والمفعول الحقيقيّيْن اللذَيْن هما لحقيقتَيْن مختلفتَين؛ أفرد الكلامَ عليه في باب منفرد، ولم يذكر في باب الفاعل والمفعول، ولذلك قيل لمرفوعها:"اسمٌ" ولمنصوبها "خبرٌ"، فرقوا بينهما وبين الفاعل والمفعول. والذي يدلّ أن أصلها المبتدأ والخبر أنك لو أسقطت هذه الأفعالَ، عاد الكلام إلى المبتدأ والخبر، نحوِ قولك في "كان زيدٌ قائمًا" إِذا أسقطت "كان": "زيد قائم".
[فصل [ما يلحق بها]]
قال صاحب الكتاب: ولم يذكر سيبويه (١) منها إلا كان وصار وما دام وليس، ثم قال وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغني عن الخبر. ومما يجوز أن يلحق بها عاد وآض وغدا وراح. وقد جاء بمعنى صار في قول العرب ما جاءت حاجتك. ونظيره قعد في قول الأعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة.
* * *
قال الشارح: سيبويه لم يأتِ على عِدّتها، وإنما ذكر بعضها، ثمّ نبه على سائرها بأن قال:"وما كان نحوهن من الفعل ممّا لا يستغني عن الخبر". يريد ما كان مجرّدًا من الحَدَث، فلا يستغني عن منصوب يقوم مقام الحدث. وهي على ما ذكر:"كَانَ"، و"أمْسَى"، و"أصْبَحَ"، و"ظَل"، و"أضْحَى"، و"مَا دَامَ"، و"مَا زَالَ"، و"صَارَ"، و"بَاتَ"،