قلت:"جاءني القومُ كلُّهم أجمعون"؛ جئتَ بالتأكيد لئلّا يُفهَم غيرُ المراد، ولَكَ أن تأتي بـ "كُلّ" وحدَها، وبـ "أجْمَعَ" وحدَها, لأنّ معناهما واحدٌ في التأكيد من جهةِ الإحاطة والعموم، فإن جمعتَ بينهما، فللمُبالغة في التأكيد.
واعلمْ أنّه قد ذهب قومٌ إلى أن في "أجمع" فائدةً ليست في "كُل"، وذلك أنّك إذا قلت:"جاءني القومُ كلُّهم"، جاز أن يجيئوك مجتمعِين، ومفترِقين، فإذا قلت:"أجمعون"؛ صارت حالُ القوم الاجتماعَ، لا غيرُ، وذلك ليس بسديدٍ. والصوابُ أنّ معناهما واحدٌ من قِبَل أن أصلَ التأكيد إعادةُ اللفظ، وتَكْرارُه، وإنّما كرِهوا تَواليهما بلفظ واحد، فأبدلوا من الثاني لفظًا يدل على معناه، فجاؤوابـ "كُلّ" و"أَجْمَعَ"، لِيدلّوا بهما على معنَى الأول، ولو كان في الثاني زيادةُ فائدة، لم يكن تاكيدًا؛ لأنّ التأكيد تمكينُ معنَى المؤكَّد. ألا تراك إذا قلت:"ضربتُ ضَرْبًا"، كان المصدرُ تأكيدًا, ولو قلت:"ضربتُ ضربًا شديدًا، أو الضربَ المعروفَ"، لم يكن تأكيدًا، لأنّه قد دل على ما لم يدل عليه الفعلُ، فكذلك لو دل "أجمع" على ما لم يدل عليه الأوّل، لم يكن تأكيدًا. ومع هذا لو أريد بـ "أجمع" معنَى الاجتماع، لوَجَبَ نصبُه, لأنّه يكون حالًا, لأنّ التقدير: فَعَلَ ذلك في هذِه الحال.
[فصل [التأكيد بصريح التكرير]]
قال صاحب الكتاب: والتأكيد بصريح التكرير جارٍ في كل شيء في الاسم، والفعل، والحرف، والجملة، والمُظْهَر، والمُضْمَر، تقول:"ضربتُ زيدًا زيدًا"، و"ضربتُ ضربتُ زيدًا"، و"إنّ إنّ زيدًا منطلقٌ"، و"جاءني زيدٌ جاءني زيدٌ"، و"ما أكرمني إلّا أنت أنت".
* * *
قال الشارح: التأكيد بتكرير اللفظ ليس عليه بابٌ يحصُره, لأنّه يكون في الأسماء، والأفعال، والحروف، والجُمَل، وكلّ كلام تريد تأكيدَه. تقول في الاسم:"رأيت زيدًا زيدًا"، و"هذا زيدٌ زيدٌ"، و"مررت بزيدٍ زيدٍ"، وفي الفعل "قَامَ قَامَ"، و"قُمْ قُمْ". قال الشاعر [من الطويل]:
ألا يا اسلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ... [ثلاثَ تَحِياتٍ وإنْ لمْ تكَلَّمي](١)