للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل ["ليت"]]

قال صاحب الكتاب: "ليت" هي للتمني, كقوله تعالى: {ياليتنا نُرَدُّ} (١). ويجوز عند الفراء أن تجري مجرى "أتمنى", فيقال: "ليت زيداً قائماً", كما يقال: "أتمنى زيداً قائماً", والكسائي يجيز ذلك على إضمار "كأن". والذي غرهما منها قول الشاعر [من الرجز]:

يا ليت أيام الصبا رواجعا (٢)

وقد ذكرت ما هو علته عند البصريين.

* * *

قال الشارح: "لَيْتَ" حرف ثلاثيُّ البناء، مثلُ "إنَّ" و"أنَّ"، وحقّه أن يكون موقوف الآخر، إلَّا أنه حُرّك لالتقاء الساكنين، وفُتح طلبًا للخفّة، كأنّهم استثقلوا الكسرة بعد الياء، كما فعلوا ذلك في "أيْنَ" و"كَيفَ". ومعناها: أتَمَنَّى. وتعمل عملَ أخواتها من نصب الاسم ورفع الخبر، نحوَ قولك: "ليت زيدًا قائمٌ". قال الله تعالى: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ} (٣)، فالنون والألف في موضعِ منصوب بأنّه اسم "لَيْتَ"، و"نردّ" في موضع الخبر. وتقديره: مردودون. وقال سبحانه: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ} (٤)، فالنون والياء في موضع نصب، و"مِتُّ" في موضع رفع، أي: مَيْتٌ.

وقد أجاز الفَرّاء أن تنصب لها الاسمَيْن جميعًا، فقال: "ليت زيدًا قائمًا"، على معنَى "ليت"، فكأنه قال: "أتمنّى زيدًا قائمًا"، أو"تمنّيتُ زيدًا قائمًا"، كأنّه يلمَح الفعلَ الذي ناب الحرفُ عنه فيُعْمِله.

وأجاز الكسائيّ نصب الاسمين معًا، لكن على غير هذا التقدير، وإنّما يُضْمِر "كانَ"، والتقدير عنده: "ليت زيدًا كان قائمًا". قال: لأنّ "كانَ" تستعمل هنا كثيرًا، نحوَ قوله تعالى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} (٥)، وقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (٦)، واعتمادُهم على قوله [من الرجز]:

يا ليت أيّام الصبا رواجعا (٧)

فليس على ما تَوهّموه، إنّما هو على حذف الخبر. والتقديرُ: يا ليت أيّام الصّبا


(١) الأنعام: ٢٧.
(٢) تقدم بالرقم ١٤٧.
(٣) الأنعام: ٢٧.
(٤) مريم: ٢٣.
(٥) الحاقة: ٢٧.
(٦) النساء: ٧٣.
(٧) تقدم بالرقم ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>