قال صاحب الكتاب:"ومن خصائصِ النداء الترخيمُ إلّا إذا اضطرّ الشاعر، فرخَّم في غير النداء. وله شرائطُ: إحداها أن يكون الاسمُ عَلَمًا. والثانيةُ أن يكون غيرَ مضاف. والثالثة أن لا يكون مندوبًا ولا مستغاثًا. والرابعةُ أن تزيد عِدّتُه على ثلاثةِ أحرف إلّا ما كان في آخره تاءُ تأنيث، فإنّ العَلَمية، والزيادةَ على الثلاثة فيه غيرُ مشروطتَيْن، يقولون: "يا عاذِلَ"، و"يا جارِيَ لا تستنكِرِي"، و"يا ثُبَ أقْبِلِي" و"يا شَا ارْجُنِي"، وأما قولهم: "يا صاحِ" و"أطْرِقْ كَرَا" فمن الشواذّ".
* * *
قال الشارح: إنّما قال: "ومن خصائص النداء الترخيم"، لأنّ الترخيم المطّرِد إنّما يكون في النداء، وفي غير النداء إنّما يكون على سبيل الندْرة، وهو من قبيل الضرورة على ما سيأتي بيانُه.
ولذلك قال: إلّا إذا اضطُرّ الشاعر، فرخّم في غير النداء، جعله خاصّةً للنداء، والترخيم مأخوذ من قولهم:"صوتٌ رخيمٌ" إذا كان ليّنا ضعيفًا، والترخيمُ ضُعْفٌ في الاسم، ونَقْصٌ له عن تَمام الصوت. قال الشاعر [من الطويل]:
يصف امرأة بعُذوبةِ المنطق ولِينِ الكلام، وذلك مستحَبّ في النساء.
والترخيم له شروطٌ: منها أن يكون منادى، وذلك لكثرة النداء في كلامهم، وسعةِ استعماله. والكلمةُ إذا كثُر استعمالُها، جاز فيها من التخفيف ما لم يجز في غيرها، فلذلك رخّموا المنادى، وحذفوا آخِرَه، كما حذفوا منه التنوينَ، وكما حذفوا الياء في "يا قومِ" على ما سبق.
ومنها أن يكون عَلَمًا، لأنّ الأعلام يدخلها من التغيير ما لم يوجَد في غيرها، ألا ترى أنّهم قالوا:"حَيْوَةُ"، والقياس: حَيَّةُ. وقالوا:"مَزْيَدٌ"، و"مَوْهَبٌ"، و"مَحْبَبٌ"، وقد تقدّم عِلّةُ ذلك في فصل الأعلام.