للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المنصوب علي الاستثناء]

[فصل [المستثني المنصوب]]

قال صاحب الكتاب: "المستثنى في إعرابه على خمسة أضرب: أحدها منصوب أبداً, وهو على ثلاثة أوجه: ما استثني بـ "إلا" من كلام موجب, وذلك "جاءني القوم إلا زيداً"".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الاستثناء استفعالٌ، من ثَنَاهُ عن الأمر يَثْنِيهِ إذا صرفه عنه، فالاستثناء صرفُ اللفظ عن عُمومه بإخراجِ المستثنى من أنّ يتناوله الأوّلُ، وحقيقتُه تخصيصُ صفةٍ عامّةٍ، فكلُّ استثناء تخصيصٌ، وليس كلٌ تخصيص استثناءً، فإذا قلت: "قام القومُ إلَّا زيدًا"، تُبين بقولك: "إلَّا زيدًا" أنّه لم يكن داخلًا تحت الصَّدْر، إنّما ذكرتَ الكلَّ، وأنت تريد بعضَ مدلوله مجازًا، وهذا معنَى قول النحويّين: "الاستثناءُ إخراجُ بعضٍ من كلّ"، أي: إخراجُه من أنّ يتناوله الصدرُ، فـ "إلَّا" تُخْرج الثاني ممّا دخل في الأوّل، فهي شِبْهُ حرف النفي، فقولُنا: "قام القومُ إلَّا زيدًا" بمنزلةِ "قام القومُ لا زيدُ"، إلَّا أنّ الفرق بين الاستثناء والعطف أنّ الاستثناء لا يكون إلّا بعضًا من كلّ، والمعطوف يكون غيرَ الأوّل، ويجوز أن يُعطَف على واحد، نحوَ قولك: "قام زيدٌ لا عمرٌو"، ولا يجوز في الاستثناء أنّ تقول: "قام زيد إلَّا عمرًا". والمستثنَى منه والمستثنَى جملةٌ واحدةٌ، وهما بمنزلةِ اسم مضافٍ، فإذا قلت: "جاءني قومُك إلَّا قليلاً منهم"، فهو بمنزلة قولك: "جاءني أكثرُ قومك"، فكأنّه اسمٌ مضافٌ، لا يتِمّ إلّا بالإضافة.

وأصلُ المستثنى أنّ يكون منصوبًا، لأنّه كالمفعول، وإنّما يُعْدَل عنه لغَرَض يُذكَر بعدُ، وَلْنُقَدم الكلامَ على العامل في المستثنى، ثمّ على أقسامه. وفي العامل في المستثنى أقوالُ (١) منها قولُ سيبويه: إنّ العامل فيه الفعلُ المقدَّمُ، أو معنى الفعل بواسطةِ "إلَّا". فإن قيل: الفعل المتقدّم لازمٌ غيرُ متعدّ، فكيف يجوز أن يعمل في المستثنى النصبَ؟ قيل: لما دخلت عليه "إلَّا"، قَوَّتْه، وذلك أنّها أحدثتْ فيه معنى الاستثناء، كما يُقَوَّى بحرف الجرّ في "مررتُ بزيدٍ".


(١) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ص ٢٦٠ - ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>