للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنّ "أوْشَكَ" يستعمل استعمالَ "عسى" في المقاربة، فيقال: "أوْشَكَ زيد أن يقومَ"، فـ "زيدٌ" فاعلٌ، و"أن يقوم" في موضع المفعول، والمراد: قارب زيدٌ القيامَ. ويُقال: "أوشك أن يقوم زيدٌ"، فتكون "أن" وما بعدها في موضع مرفوع كما كانت "عسى" كذلك، وقد أُسقط من خبرها "أنْ" تشبيهًا بـ"كاد"، نحوَ قولكَ: "أوشك زيدٌ يقوم". قال الشاعر [من المنسرح]:

يوشك من فرّ ... إلخ

البيت لأمُيَّةَ بن أبي الصَّلْت، والشاهد فيه إسقاط "أنْ" بعد "يوشك" تشبيهًا بـ"كاد"، كما أسقطت بعد "عسى" تشبيهًا بـ"كاد". ومعنَى "يوشك": يُقارِبُ، يُقال: "أوشك فلان أن يفعل كذا" إذا قارَبَه. وهو من السرعة من قولهم: "خرج وَشِيكًا"، أي: سريعًا، ومنه: "وُشْكُ البين"، أي: سرعة الفراق. فقولهم: "يوشك أن يفعل"، أي: يُسْرع. وضدُّه يُبطِئُ، أي: يُبعِد، ومعنَى "أنْ" فيه صحيحٌ؛ لأنه في معنَى يقرب أن يفعل. والغِرّةُ: الغَفْلة عن الدهر، ووقوعِ صروفه، أي: لا ينجِي من المنيّة شيءٌ، فاعرفه.

[فصل [استعمال أفعال الشروع]]

قال صاحب الكتاب: ومنها كرب وأخذ وجعل وطفق يستعملن إستعمال كاد. تقول: كرب يفعل، وجعل يقول ذاك، وأخذ يقول. وقال الله عز وجل: {وطفقا يخصفان} (١).

* * *

قال الشارح: اعلم أن هذه الأفعال تستعمل بمعنى المقاربة استعمالَ "كاد". تقول: "كَرَبَ يفعل"، كما تقول: "كاد يفعل" بمعنَى "قرب". ولا يكون الخبر إلّا فعلاً صريحًا، ولا يقع الاسم فيه كما لا يقع في خبر "كاد". ولم يسمع فيه "أنْ" ولا يمتنع معناه من ذلك، إذ كان معناه "قرب". وأنت لو قلت: "قرب أن يفعل"، لكان صحيحًا على معنَى: قرب فعلُه. وهو من قولهم: "كرب الشيءُ"، أي؛ دَنَا، و"إناءٌ كَرْبانُ": إذا قارب الامتلاء، ومنه "كربت الشمسُ"، أي: دنت للغروب.


= جوازًا تقديره هو، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به.
وجملة "يوشك ... ": لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة أو استئنافيّة. وجملة "فرّ من منيته": لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول. وجملة "يوافقها": في محلّ نصب خبر "يوشك".
والشاهد فيه: مجيء خبر "يوشك" فعلًا مضارعًا غير مقترن بـ "أنّ".
(١) الأعراف: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>