فصل [موانع الادّغام في الحرفين المتقاربين, ومواضع الادّغام في الحرفين المتباعدين]
قال صاحب الكتاب: وليس بمطلق أن كل متقاربين في المخرج يُدّغم أحدهما في الآخر، ولا أن كل متباعدين يمتنع ذلك فيهما, فقد يعرض للمقارب من الموانع ما يحرمه الادّغام، ويتفق للمباعد من الخواص ما يسوّغ ادّغامه, ومن ثم لم يدّغموا حروف "ضوي مشفَرٌ" فيما يقاربها, وما كان من حروف الحلق أدخل في الفم في الأدخل في الحلق. وادّغموا النون في الميم، وحروف طرف اللسان في الضاد والشين. وأنا أفصل لك شأن الحروف واحداً فواحداً، وما لبعضها مع بعض في الادّغام؛ لأقفك على حدِّ ذلك عن تحقق واستبصار بتوفيق الله تعالى وعونه.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ اجتماع المتقاربين سببٌ مقتض للادغام، كما كان كذلك في المثلين، إلّا أنّه قد يعرض مانعٌ يمنع من الادغام. فامتناع الادغام ما كان لعدم المقتضى، بل لوجود المانع. فمن ذلك الضاد، والميم، والراء، والفاء، والشين، ويجمعها "ضَمُّ شُفْر". وكذلك كلّ حرف فيه زيادةُ صوت لا يُدّغم فيما هو أنقصُ صوتًا منه، فهذه الحروفُ لا تُدّغم في مقاربها، ويُدّغم مقاربُها فيها، فلا تُدّغم الميم في الباء، نحو:"أَكرِمْ بَكْرًا"، وتُدّغم فيها الباء، نحو:"اصحَبْ مَّطَرًا".
ولا تُدّغم الشين في الجيم. وتُدّغم الجيم في الشين. ولا تدّغم الفاء في الباء، نحو:"اعْرِفْ بَكرًا". وتدّغم الباء في الفاء، نحو:"اذهَبْ في ذلك".
ولا تدّغم الراء في اللام، نحو:"اخْتَرْ له". وتدّغم اللام في الراء، نحو:{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ}(١). وذلك لأنّ هذه الحروف فيها زيادةٌ على مُقارِبها في الصوت، فادّغامُها يؤّدي إلى الإجحاف بها وإبطال ما لها من الفضل على مُقارِبها. فالميم فيها غنّةٌ ليست في الباء، فإذا ادّغمتَها في الباء، فأنت تقلبها إلى الباء، وتستهلك ما فيها من زيادة الصوت والغنّة. وفي الشين تَفَشٍّ واسترخاء في الفم ليس في الجيم، وفي الفاء تأفيفٌ. والتأفيفُ هو الصوت الذي يخرج من الفم عقيبَ النطق بالفاء ليس في الباء. وفي الراء تكريرٌ ليس في اللام، وفي الضاد استطالةٌ ليست لشيء من الحروف، فلم يدّغموها في مُقارِبها شَحًّا على أصواتها لئلّا تذهب. وادُّغم فيها مقاربُها إذ لم يكن في ذلك نقصٌ، ولا إجحافٌ.
وكذلك ما كان من حروف الحلق ممّا يجوز ادغامُه لأنّ من حروف الحلق ما لا