والثاني: لو كانت مُلغاة، لكان التقديرُ في "مَاذَا تصنعُ؟ ": ما تصنعُ؟ وتكون في موضعِ نصب. فلمّا قال [من الطويل]:
أنَحب فيُقْضَى أم ضلالٌ وباطلُ
فأبدل المرفوعَ من "مَا" دل أنّها مرفوعة بالابتداء، والخبرُ "ذَا"، والفعلُ صلة على ما ذُكر.
[فصل [صلة الموصول والعائد]]
قال صاحب الكتاب: والموصول ما لا بُدّ له في تمامه إسماً من جملة تردفه من الجمل التي تقع صفات، ومن ضمير فيها يرجع إليه. وتسمى هذه الجملة صلة، ويسميها سيبويه الحشو (١). وذلك قولك "الذي أبوه منطلق زيد"، و"جاءني من عهده عمرو". واسم الفاعل في "الضارب" في معنى الفعل, وهو مع المرفوع به جملة واقعة صلة للام, ويرجع الذكر منه إليه, كما يرجع إلى "الذي".
* * *
قال الشارح: الموصول ما لا يتِم حتى تَصِلَه بكلام بعده تامِّ، فيصير مع ذلك الكلام اسمًا تامًا بإزاء مسمَّى، فإذا قلت:"جاءني الرجلُ الذي قام"، فـ "الذِي" وما بعده في موضعِ صفةِ "الرجل" بمعنَى: القائم. وإذا قلت:"جاءني مَن قام"، فـ "مَنْ" وما بعدها في موضعِ اسم معروفِ غيرِ صفة، فمنزلةُ "الذِي"، ونحوه من الموصولات وحدَه منزلةُ حرف من الكلمة، من حيث كان لا يفهَم معناه إلَّا بضم ما بعده إليه، فصار لذلك من مُقدماته، ولذلك كان الموصول مبنيًّا، فالموصول وحدَه اسم ناقص، أي: ناقصُ الدلالة، فإذا جئتَ بالصلة، قيل: مَوْصُول حينئذٍ.
وقوله:"لا بد له في تمامه اسمًا من جملةٍ تردفه"، أي: تتبعه، وكلُّ شيء يتبع شيئًا فقد رَدِفَه.
وقوله "من الجمل التي تقع صفات"، يريد من الجمل التي تُوضِح وتُبين، وهي الجملُ المتمكنة في باب الخبر، وصلح فيها أن يقال فيه: صِدْقٌ، أو كِذْبٌ، وجاز أن تقع صفةَ للنكرة. فأمّا الاستفهامُ فلا يجوز أن يُوصَل به "الذِي" وأخواتُها لا يجوز "جاءني الذي أَزَيْدٌ أبوه قائمٌ"، وكذلك الأمرُ والنهيُ، لِما ذكرناه من أنها لا تقع صفة للنكرة، إذ كانت لا تحتمِل الصدقَ والكذبَ.