للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"كم بها رجلًا مصابًا"، عُدل إلى لغةِ مَن ينصب، وإن كان لُغة مَن يخفِض بها مع غير الفصل أكثرَ، لقُبْحِ الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور، وهو مع قُبْحه جائزٌ في الشعر، نحوِ قوله [من السريع]:

[لمّا رأتْ ساتيدَما استَعْبَرَتْ] ... للَّه دَرُّ اليومَ مَن لَامَهَا (١)

وقوله [من البسيط]:

كأنَّ أصْواتَ مِن إيغالهِنّ بِنَا ... أواخرِ المَيْسِ أصواتُ الفَرارِيجِ (٢)

وإذا قُبح الفصلُ مع اعتقادِ الإضافة، كان الأختيارُ الوجهَ الأوّلَ، وهو البناءُ، وإثباتُ النون في التثنية، وحذفُ الألف من الأب. فتقول: "لا يدَيْن بها لك"، و"لا أبَ فيها لك". وهذا معنى قوله: "امتنع الحذفُ والإثباتُ عند سيبويه"، يريد حذفَ النون من التثنية، وإثباتَ الألف في "الأب"، فلا تقول: "لا يدَيْ بها لك"، و"لا أبَا فيها لك", لأنّ حذفَ النون من التثنية، وإثباتَ الألف في "الأب" يؤذِنان بالإضافةْ، والفصلُ يُبْطِل ذلك.

وكان يونسُ يذهب إلى جوازِ الفصل بالظرف، أو ما جرى مجراه من جارٍّ ومجرور من غيرِ قُبْح، إذا كان الظرفُ ناقصًا لا يتِمّ به الكلامُ، نحوَ: "لا يَدَيْ بها لك"، ومعناه: لا طاقةَ بها لك، فهذا جائزٌ عنده, لأنّ "بِهَا" في هذا المكان لا يتمّ به الكلامُ، لأنّه ليس خبرًا. وعند سيبويه الفصلُ بين المضاف والمضاف إليه قبيحٌ سَواءً كان ممّا يتِمّ به الكلامُ أو لا.

فإن وصفت المنفيَّ، فقلت: "لا غلامَيْن ظريفَيْن لك"، لم يجز حذفُ النون من المنفيّ، ولا من صفته. أمّا امتناعُ الحذف من المنفيّ؛ فلأنّك وصفته، وأنتَ تنوي إضافتَه إلى ما بعد اللام، والمضافُ إليه من تمام المضاف، ينزل منه منزلةَ التنوين من الاسم، ولا يصح وصفُ الاسم إلَّا بعد تمامه، ولأنّ الفصل في الشعر إنّما جاز بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، أو الجارّ والمجرور، لا بغيره. ولا يجوز إسقاطُ النون من الصفة, لأنّ ذلك إنّما جاء في المنفيّ، لا في صفته.

[فصل [حكم صفة اسمها وإعرابه]]

قال صاحب الكتاب: "وفي صفةِ المفرد وجهان:

أحدُهما: أن تُبْنَى معه على الفتح كقولك: "لا رجلَ ظريفَ فيها".

والثاني: أن تُعْرَب محمولة على لفظه، أو محلّه كقولك: "لا رجلَ ظريفًا فيها، أو ظريفٌ"، فإن فصلتَ بينهما أعربتَ، وليس في الصفة الزائدة عليها إلا الإعرابُ. فإن


(١) تقدم بالرقم ١٤٣.
(٢) تقدم بالرقم ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>