وأن تقيمه مقام الفاعل، فتقول:"قمت القيامَ"، و"قِيمَ القيامُ"، إلّا أن لا يكون متمكنًا، فإذا لم يكن متمكنًا، لم يقم مقام الفاعل، نحوَ:"سبحانَ الله"، فتقول:"سُبح في هذا الدار تسبيح كثير لله". ولا يجوز أن تقول:"سُبح في هذه الدار سبحانُ الله"، وإن كان معناه معنى التسبيح، وكذلك لا يجوز أن تقيم من الظروف مقام الفاعل إلّا ما يجوز أن تجعله مفعولًا على السعة، نحوَ:"اليوم"، و"الليلة"، و"المكان"، و"الفرسخ" وما أشبهها من المتمكنة؛ فأمّا غير المتمكنة نحو:"إذْ"، و"إذَا"، و"عِنْدَ"، و"مُنْذُ"، فلا يجوز التوسع فيها وجعلُها مفعولًا على السعة، فلا يجوز إقامتُها مقام الفاعل، فاعرفه.
فصل [بقاء المفعول به الثاني والثالث على انتصابهما إذا بُني الفعل للمجهول]
قال صاحب الكتاب: وإذا كان للفعل غير مفعول فبني لواحد بقي ما بقي على انتصابه كقولك أعطي زيد درهماً، وعلم أخوك منطلقاً، وأعلم زيد عمراً خير الناس.
* * *
قال الشارح: يريد أن الفعل إذا كان يتعدّي إلى مفعولَين أو أكثرَ، ثمّ رددتَه إلى ما لم يسمّ فاعله، أقمت المفعول الأول مقام الفاعل، ورفعته، وتركت ما بقي منها منصوبًا على حد انتصابه قبل البناء لِما لم يسمّ فاعله. وذلك أن الفعل إذا ارتفع به فاعل ظاهرٌ، فجميعُ ما يتعلق به بعدُ سوى ذلك الفاعل منصوب، وكذلك إذا صُغْته للمفعول، فرفعته به، فجميعُ ما يتعلق به سواه منصوب.
فلذلك وجب في قولك:"أُعطي عبدُ الله المال"، و"عُلم أخوك منطلقًا" نصبُ "المال"، و"منطلقًا"، لأنّ "عبد الله"، و"أخاك" قد ارتفعا بالفعلين، وصيغا له، وتعلّق المال والانطلاق بالفعلين، فوجب نصبهما، فصار فعل المفعول يتعدّي إلى مفعول واحد، كما كان فعل الفاعل فيهما يتعدّي إلى مفعولين، وكذلك لو كان الفعل يتعدّي إلى ثلاثة، ونقلته لِما لم يسمّ فاعله، صار فعل المفعول يتعدّي إلى اثنين. كقولك:"أُعلم زيدٌ عمرًا خيرَ الناس"، وقد كان:"أعلم اللهُ زيدًا عمرًا خيرَ الناس".
ومن النحويين من يقول: إن هذا مبنى على الخلاف الذي ذكرناه، فمن قال إن فعلَ ما لم يسمّ فاعله منقول من الفعل المبني للفاعل، قال إن "الدرهم" في قولك: "أُعطي زيدٌ درهمًّا" منصوب بذلك الفعل بقي على حاله، ومن قال: إنه بابٌ قائم بنفسه غير منقول من غيره، كان منصوبًا بهذا الفعل نفسه، فاعرفه.