للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المفعول معه، فلا يجوز أيضًا أن يقوم مقام الفاعل فيما لم يسمّ فاعله, لأنهم قد توسّعوا فيه، وأقاموا واو العطف فيه مقامَ "مَعَ"، فلو توسّعوا فيه، وأقاموه مقامَ الفاعل، لبعُد عن الأصل، وبطلت الدلالة على المصاحبة، ويكون تراجُعًا عمّا اعتزموه، ونقضًا للغرض الذي قصدوه.

فإن كان الفعل غير متعدّ إلى مفعول به، نحوَ: "قام". و"سار"، لم يجز ردّه إلى ما لم يسمّ فاعله؛ لأنه إذا حذف الفاعل، يُصاغ الفعل للمفعول، وليس لهذا الفعل مفعولٌ يقوم مقام الفاعل، فأيُ شيء يقوم مقام الفاعل فيما لم يسمّ فاعله، فإن كان معه حرفُ جرّ من الحروف المتصلة بالفعل، أو ظرفٌ من الظروف المتمكنة زمانًا كان أو مكانًا، أو مصدر مخصوصٌ، فحينئذ يجوز أن تبنيه لما لم يسمّ فاعله, لأنّ معك ما يقوم مقام الفاعل، فتقول: "سرتُ يزيد فرسخَيْن يومَيْن سيرًا شديدًا".

فإن بنيته لِما لم يسمّ فاعله، جاز أن تقيم أيّ هذه المفاعيل شئت مقام الفاعل، وهي مستويةٌ في ذلك، فتقول: "سِيرَ يزيد فرسخين يومين سيرًا شديدًا"، فتقيم الجار والمجرور مقام الفاعل؛ لأنه في تقدير المفعول به؛ لأنّ الباء في تعدية الفعل بمنزلة الهمزة، فقدلُك: "قام زيد" و"أقمته" بمنزلةِ "قمتُ به" و"ذهب زيد"، و"أذهبتُه" بمنزلةِ "ذهبتُ به". قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} (١)، والمعنى: لأذهبَ سمعَهم وأبصارَهم. فلمّا كانت الباء بمنزلة الهمزة في تعدية الفعل، تعدّى إلى ما تعلّقت به الباءُ، فيجوز على هذا "قيم يزيد"، و"ذُهب بعمرو"، كما تقول: "أُذهب زيد"، و"أُقيم عمرو". ولا يجوز على هذا أن تُقدم "بزيد"على "سِيرَ"؛ لأنه فاعلٌ.

ويجوز أن تقول: "سير يزيد فرسخان يومَيْن سيرًا شديدًا"، فتقيم "الفرسخين" مقام الفاعل، ولذلك رفعته. فإن أقمت "اليومين" مقام الفاعل؛ جاز أيضًا، ورفعته، فتقول: "سير يزيد فرسخين يومان سيرًا شديدًا"، فإن أقمت المصدر مقام الفاعل، قلت: "سير يزيد فرسخين يومين سيرٌ شديدٌ"، ترفع الذي تقيمه مقام الفاعل، وتنصب سائر إخواته.

واعلم أن المصادر، والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعًا في هذا الباب حتى تُقدر فيه أنّه إذا كان الفاعل معه أنّه مفعول صحيح، كأن الفعل وقع به كما يقع بالمفعول الصحيح، فحينئذ يجوز أن يُقام مقام الفاعل إذا لم يذكر الفاعل، فإذا كان كذلك، فالمصادر تجيء على ضربين: منها ما يُراد به تأكيد الفعل من غير زيادةِ فائدة، ومنها ما يُراد به إبانةُ فائدة. فما أُريد به تأكيد الفعل فقط لم تجعله مفعولاً على سعة الكلام، ولا يُقام مقام الفاعل، وما كان فيه فائدةٌ جاز أن تجعله مفعولاً على السعة،


(١) البقرة: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>