للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِيضَ البَرْقِ". وهو قولٌ، إلاّ أنّ كَوْنه لم يَرِد إلّا نكرةً يدلّ على ضُعْفه، إذ لو كان مصدرًا على ما ادّعاه، لم يمتنِع من وقوع المعرفة فيه، فاعرفه.

فصل [وقوع الأسماء أحوالًا]

قال صاحب الكتاب: "والاسم غير الصفة والمصدر بمنزلتها في هذا الباب. تقول: "هذا بسراً أطيب منه رطباً"، وجاء البر قفيزين وصاعين"، و"كلمته فاه إلى فيَّ"، و"بايعته يداً بيد"، و"بعت الشاء شاة ودرهمًا"، و"بينت له حسابه بابًا بابًا"".

* * *

قال صاحب الكتاب: اعلم أنّ هذا الفصل قد اشتمل على مسائل من أبواب متعدِّدةٍ، لكنّه جَمَعَها كلّها كونُها أسماء غير صفات، وقعت أحوالًا. فمن ذلك قولُهم: "هذا بُسْرًا أطْيَبُ منه تَمْرًا"، فـ "هذا" مبتدأ، و"بسرًا" حالٌ، و"أطيب منه" خبرُ المبتدأ، و"بُسرًا" و"تمرًا": حالان من المشار إليه، لكن في زمنَيْن، لأنّ فيه تفضيل الشيء في زمانٍ من أزمانه على نفسه في زمن آخر. ويجوز أن يكون الزمانُ الذي يفضُل فيه ماضيًا، ويجوز أن يكون مستقبلًا. ولا بدّ من إضمار ما يدلّ على المُضِيّ فيه أو على الاستقبال على حَسْبِ ما يراد، فإن كان زمانًا ماضيًا، أضمرتَ "إذ"، وإن كان زمانًا مستقبلًا، أضمرتَ "إذا"، وكانت الإشارةُ إليه في حالِ ما هو بَلَحٌ. والعامل في الحال "كَانَ " المضمرةُ، وفيها ضميرٌ من المبتدأ. وهذه "كَانَ" التامّةُ وليست الناقصةَ، إذ لو كانت الناقصةَ، لوَقع معها المعرفةُ، وكنتَ تقول: "هذا البسر أطيبُ منه التمرَ"، لأنّ "كان" تعمل في المعرفة عَمَلَها في النكرة. فلمّا اختصّ الموضعُ بالنكرة، عُلم أنّها التامّةُ، وأنّ انتصابَ الاسمَيْن على الحال، لا على الخبر. والعامل في الظرفَيْن ما تَضمّنَه معنى "أَفْعَلَ". وجاز أن تعمل في الظرفَيْن، لأنّها تضمّنتْ شيئين: معنى فعلٍ ومصدرٍ، ألا ترى أنّك إذا قلت: "زيدٌ أفضلُ من عمرو"، فمعناه: يزيد فَضْلُه عليه.

وكلُّ واحد من الفعل والمصدر يجوز أن يعمل. وذهب أبو عليّ إلى أنّ العامل في الحال الأوّل ما في هذَا من معنى الإشارة والتنبيه، والعامل في الحال الثاني "أفْعَلَ". قال: وذلك أنّه لا يخلو العاملُ في قولهم: "بُسْرًا" من أن يكون "هذا"، أو "أطْيَبُ"، أو مضمرًا، وهو "إذْ كان"، أو "إذا كان"، فلا يجوز أن يكون العاملُ فيه "أطيب" وقد تقدّم عليه، لأنّ "أفعل" هذا لا يَقْوَى قوَّةَ الفعل فيعملَ فيما قبلَه، ألا ترى أنّك لا تُجيز: "أنت مِمَّن أفْضلُ"، ولا "ممّن أنت أفضلُ"، فتُقدِّم الجارَّ والمجرورَ عليه لضُعْفه أن يعمل فيما تقدّم عليه؟ وإذا لم يعمل فيما كان متعلّقًا بحرف جرّ إذا تقدّم، مع أنّ حرف الجرّ يعمل فيه ما لا يعمل في غيره، نحو: "هذا مارٌّ بزيدٍ"، و"هذا مُعْطٍ لزيدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>