للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول في الذمّ: "رأيتُ زيدًا الجاهلَ الخبيثَ" ذممتَه بذلك، لا أنّك أردت أن تفصِله من شريكٍ له في اسمه ليس متّصِفاٍ بهذه الأوصاف، وقد تجيء الصفة للتأكيد، نحو قولهم: "أمْسِ الدابِرُ"، و"أمس" لا يكون إلّا دابرًا، و"الميتُ العابرُ"، والميتُ لا يكون إلّا عابرًا، ونحو قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (١)، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (٢). ومعنَى التأكيد هنا أنّ مدلولَ الصفة استُفيد ممّا في الموصوف، فصار ذكرُه في الصفة كالتكرار، إذ ليس فيه زيادةُ معنّى بخِلاف قولك: "رجلٌ ظريفٌ"، ألا ترى أنّ الظَّرْف لم يُفهَم من قولك: "رجلٌ"، فافْهَمْ.

فصل [مجيء الصفة اسمًا مشتقًّا]

قال صاحب الكتاب: وهي في الأمر العام إما أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة, وقولهم تميمي وبصري على تأويل منسوب ومعزو, وذو مال وذات سوار متأول بمتمول ومتسورة أو بصاحب مال وصاحبة سوار, وتقول: "مررت برجل أي رجل وأيما رجل" على معنى كامل في الرجولية. وكذلك أنت الرجل كل الرجل، وهذا العالم وحق العالم يراد به البليغ الكامل في شأنه ومررت برجل رجل صدق وبرجل رجل سوءٍ. كأنك قلت: "صالح وفاسد"، والصدق ههنا بمعنى الصلاح والجودة، والسوء بمعنى الفساد والرداءة. وقد استضعف سيبويه (٣) أن يقال مررت برجل أسد على تأويل جرئ.

* * *

قال الشارح: ولا تكون الصفة إلّا مأخوذةً من فعلٍ، أو راجعًا إلى معنى الفعل، وذلك كاسم الفاعل، نحو: "ضارب" و"آكل"، و"شارب"، و"مُكْرِم" و"مُحْسِن"، وكاسم المفعول، نحو: "مَضْروب"، و"مَأكول"، و"مَشْروب"، و"مُكْرَم"، و"مُحْسَن إليه"، أو صفة مشبِّهةٍ باسم الفاعل، نحو: "حَسَن"، و"شديد"، و"بَطَل"، و"أبيضَ"، و"أسودَ". وذلك ليدلّ باشتقاقه على الحال التي اشتُقّ منها ممّا لا يُوجَد في مُشاركه في الاسم، فيتميزَ بذلك.

وقد وصفوا بأسماء غير مشتقّة ترجع إلى معنى المشتقّ، قالوا "رجلٌ تميميٌّ، وبصريٌّ"، ونحوهما من النسَب، فهذا ونحوه ليس بمشتقّ؛ لأنّه لم يُؤخَذ من فعلٍ، كما أُخذ "ضاربٌ" من "ضَرَبَ"، وإنَّما هو متأوَّلٌ بـ "منسوبٍ" و"مَعْزُوّ"، فهو في معنى اسم


(١) النساء:١٧١.
(٢) الحاقة: ١٣. وفي الطبعتين "وإذا"، تحريف.
(٣) الكتاب ١/ ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>