للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان في حكم المبتدَأ به، فلا يكون إلَّا مرفوعًا. والرفعُ هنا أوْجَهُ الوجهين؛ لأنه ظاهرُ الإعراب صحيحُ المعنى، والنصب على ظاهره عْيرُ صحيح؛ لأنك تعطفه على الشيء، وليس بمصدر، فيسهلَ عطفُه عليه. وإذا عطفتَه عليه، كان في حكم المخفوض باللام؛ لألْه معطوف على ما خُفض باللام، فيصير التقدير: وما أنا لغضب صاحبي بقؤول. والغضبُ ليس مقولاً، فيفتقر إلى التأويل الذي قدّرناه. وقد ردّ أبو العبّاس المبرّد على سيبويه تقديمَه النصبَ على الرفع هنا، وسيبويه لم يُقدِّم النصب, لأنه أحسن من الرفع، وإنما قدّمه لِما بني عليه البابَ من النصب بإضمار "أنْ".

وقوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} (١)، لم يأت "ونقرّ"، إلَّا مرفوعًا على الابتداء والاستئناف، كانه قال: و"نحن نقرُّ في الأرحام". ولو نصب، لاختل المعنى، إذ كان بعدُ إذ ذلك لِنبيّن لكم القدرةَ على البَعْث, لأنه إذا كان قادرًا على ابتداع هذه الأشياء بعد أن لم تكن، كان أقدَرَ على إعادتها إلى ما كانت عليه من الحياة, لأنّ الإعادة أسهل من الابتداع.

فصل [جواز الرفع بعد فاء السببيّة]

قال صاحب الكتاب: ويجوز ما تأتينا فتحدثنا الرفع على الإشراك, كأنك قلت ما تأتينا فما تحدثنا ونظيره قوله تعالى: {ولا يوذن لهم فيعتذرون} (٢) , وعلى الابتداء كأنك قلت ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا. ومثله قول العنبري [من الخفيف]:

٩٧٨ - غير أنا لم يأتنا بيقين ... فنرجي ونكثر التأميلا


(١) الحج: ٥.
(٢) المرسلات: ٣٦.
٩٧٨ - التخريج: البيت لبعض الحارثيين في خزانة الأدب ٨/ ٥٣٨؛ والرد على النحاة ص ١٢٧؛ والكتاب ٣/ ٣١، ٣٣، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢/ ٨٧٢؛ والمقرب ١/ ٢٦٥.
اللغة: الترجي: الأمل.
المعنى: إذا لم تأتنا بما يدفع الشك عن نفوسنا، فنحن نامل خلاف ذلك.
الإعراب: "غير": اسم منصوب على الاستثناء. "أنّا": "أنّ": حرف مشبه بالفعل، و"نا": ضمير متصل مبني في محل نصب اسمها، والمصدر المؤول من "أنّ" ومعموليها في محل جرّ مضاف إليه "لم تأتنا": "لم": حرف نفي وقلب وجزم، و"تأت": فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، و"نا": ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. "بيقين": جار ومجرور متعلقان بالفعل "تأت"."فنرجي": الفاء السببية: عاطفة، و"نرجي": فعل مضارع مرفرع بالضمة المقدرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن: "ونكثر": الواو: عاطفة، و"نكثر": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: نحن. "التأميلا": مفعول به منصوب بالفتحة، والألف: للإطلاق. =

<<  <  ج: ص:  >  >>