للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أصناف الفعل

فعلا التعجُّب

[فصل]

قال صاحب الكتاب: هما نحو قولك: "ما أكرم زيدًا! "، و"أكرم بزيدٍ! ". ولا يُبنيان إلا مما يبنى منه أفعل التفضيل, ويتوصل إلى التعجب مما لا يجوز بناؤهما منه بمثل ما يُتوصل بها إلى التفضيل، إلا ما شذ من نحو: "ما أعطاه", و"ما أولاه للمعروف! " ومن نحو: "ما أشهاها! " و"ما أمقته! ". وذكر سيبوبه (١) أنهم لا يقولون: "ما أقيله" استغناء عنه بـ "ما أكثر قائلته! " كما استغنوا بـ "تركت" عن "وذرت".

* * *

قال الشارح: اعلم أن التعجّب معنًى يحصل عند المتعجِّب عند مشاهدةِ ما يُجْهَل سببُه، ويقل في العادة وجودُ مثله. وذلك المعنى كالدَّهَش والحَيْرة. مثالُ ذلك أنّا لو رأينا طائرًا يطير، لم نتعجّب منه لجَرْي العادة بذلك، ولو طار غيرُ ذي جناح، لوقع التعجُّب منه؛ لأنه خرج عن العادة، وخفي سببُ الطيَران، ولهذا المعنى لا يصحّ التعجّب من القديم سبحانه, لأنه عالمٌ لا يخفى عليه شيء. فأمّا قراءةُ من قرأ: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ} (٢) بضمّ التاء، فتأوّلُه على ردّ الضمير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: قُلْ: "بل عجبت ويسخرون"، أو أنه أُخرج مخرج العادة في استعمال المخلوقين تعظيمًا لأمره وتفخيمًا له. وإتما قال: "فِعْلا التعجّب" بلفظ التثنية، والتعجّبُ معنًى واحدٌ، لأنَّه يكون بلفظَين: أحدُهما "أَفْعَلَ"، ويُبْنَى على الفتح لأنه ماض، نحوُ: "أكرم"، و"أخرج"، والثاني: "أفْعِل"، ويبنى على الوقف، لأنه على لفظ الأمر.

فأمّا الضرب الأول، وهو "أفْعَلَ"، فلا بدّ أن يلزمه "ما" من أوّله، فتقول: "ما


(١) الكتاب ٤/ ٩٩.
(٢) الصافات: ١٢. وهي قراءة الكسائي وحمزة، وعلي بن أبي طالب، والأعمش، وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٧/ ٣٥٤؛ وتفسير القرطبي ١٥/ ٦٩؛ والكشاف ٣/ ٣٣٧؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٥٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٥/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>