قال صاحب الكتاب: العطف على ضربين: عطف مفرد وعطف جملة على جملة, وله عشرة أحرف: فـ "الواو" و"الفاء", و"ثم", و"حتى", أربعتها على جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم. تقول:"جاءني زيدٌ وعمرو"، و"زيد يقوم ويقعد"، و"بكر قاعد وأخوه قائمٌ"، و"أقام بشر وسافر خالدٌ", فتجمع بين الرجلين في المجيء، وبين الفعلين في إسنادهما إلى زيد، وبين مضموني الجملتين في الحصول, وكذلك "ضربت زيداً فعمراً"، و"ذهب عبد الله ثم أخوه"، و"رأيت القوم حتى زيداً". ثم إنها تفترق بعد ذلك.
* * *
قال الشارح: يقال: "حروف العَطْف" و"حروف النَّسْق"، فالعطف من عبارات البصريين، وهو مصدرُ عطفت الشىءَ على الشىء إذا أملته إليه، يقال:"عَطَفَ فلانٌ على فلان"، و"عطفتُ زِمَامَ الناقة إلى كذا"، و"عطف الفارسُ عِنانَه"، أي: ثَناهُ وأماله. وسُمّي هذا القبيل عطفًا؛ لأن الثاني مَثْنيّ إلى الأوّل، ومحمول عليه في إعرابه. والنسق من عبارات الكوفيين، وهو من قولهم:"ثَغْرٌ نَسَقٌ"، إذا كانت أسنانه مستوية، وكلامٌ نَسَقٌ إذا كان على نظام واحد. فلمّا شارك الثاني الأوّلَ وساواه في إعرابه، سمي نسقًا.
وهو من التوابع، فالأوّلُ المتبوع المعطوف عليه، والثاني التابع المعطوف. وهذا الضربُ من التوابع يُخالِف سائرَ التوابع, لأنها تتبع لغير واسطة، والمعطوفُ لا يتبع إلَّا بواسطة. وإنّما كان كذلك؛ لأن الثاني فيه غير الأوّل، ويأتي بعد أن يستوفي العاملُ عملَه، فلم يتّصل إلَّا بحرف بخلافِ ما الثاني فيه الأوّلُ، كالنعت وعطف البيان والتأكيد والبدل، وإن كان يأتي في البدل ما الثاني فيه غير الأوّل، إلَّا أنه بعضُه أو معنى يشتمل عليه، فكأنّه هو هو، فلذلك لم يحتج إلى واسطةِ حرف.