للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الخبر، ومثلُه: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} (١)، فدخلت اللام الخبرَ مع تأخيرها عن معمولها، وهو الجارّ والمجرور والظرف، فاعرفه.

[فصل [تعليق العامل بلام الابتداء]]

قال صاحب الكتاب: وتقول: "علمت أن زيداً قائم", فإذا جئت باللام؛ كسرت, وعلقت الفعل, قال الله تعالى: {والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} (٢) , ومما يحكى من جراءة الحجاج على الله تعالى أن لسانه سبق في مقطع "والعاديات" إلى فتحة {إنَّ} (٣) , فأسقط اللام.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول إِن حق هذه اللام أن تقع صدرَ الجملة، وإنّما أُخّرت لضرب من استحسان، وهو إرادة الفصل بينها وبين "إنَّ" لاتّفاقهما في المعنى. وهم يكرهون الجمع بين حرفَين بمعنى واحد، فأُخّرت اللام إلى الخبر لفظًا، وهي في الحكم والنيّة مقدّمةٌ، والموجودُ حكمًا كالموجود لفظًا، فلذلك تُعلِّق العاملَ مؤخَّرةَ كما تُعلِّقه إذا كانت مصدَّرةً، فتقول: "قد علمت أنّ زيدًا قائمٌ" فتفتح "أنَّ" لتعلّقها بما قبلها.

فإذا أُدخلت اللام؛ علّقت العاملَ، وأبطلت عمله في اللفظ، وأتيتَ بالمكسورة، نحوَ قولك: "قد علمت إنَّ زيدًا لَقائمٌ". قال الله تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} (٤)، ومن ذلك {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (٥)، فعلّق العامل في ثلاثة مواضع. والتعليقُ ضربٌ من الإلغاء؛ لأنه إبطال عمل العامل لفظًا لا محلًا، والإلغاء إبطال عمله بالكلّية، فكلُّ تعليق إلغاءٌ، وليس كلّ إلغاء تعليقًا.

ويحكى أن الحجّاج بن يوسف قرأ: "أن ربّهم بهم يومئذ خبيرٌ"، بفتح "أنَّ" نَظَرًا إلى العامل، فلمّا وصل إلى الخبر؛ وجد اللام، فأسقطها تعمُّدًا لِيقالَ: إنّه غالطٌ ولم يلحَن, لأن أمر اللحن عندهم أشدُّ من الغلط، وإن كان في ذلك إقدامٌ على كلّام الله تعالى. وتُحْكَى هذه الحكاية عن بعض العرب، وقيل: إنّه ابن أخي ذي الرمّة، فاعرفه.


(١) العاديات: ٩ - ١١.
(٢) المنافقون: ١.
(٣) العاديات: ١.
(٤) العاديات: ٩ - ١١.
(٥) المنافقون: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>