للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع الثالث: أن تدخل على معمول الخبر، وذلك إذا تقدّم بعد الاسم، نحوَ قولك: "إنّ زيدًا لَطعامَك آكِلٌ"، فالطعامُ معمول الخبر الذي هو "آكِلٌ"، ولمّا تقدّم عليه؛ وقع موقع الخبر، فجاز دخول اللام عليه؛ لأنه وقع موقعَ ما في مَظِنّتها وهو الخبر، فأمّا قول الشاعر [من البسيط]:

إنّ امرأ خصّني ... إلخ

هذا البيت أنشده سيبويه (١) لأبي زُبَيْد الطائيّ، والشاهدُ فيه دخول اللام على الظرف الذي هو "عِنْدِي"، والظرف يتعلق بـ "مكفور"، لكنّه لمّا تقدّم عليه، حسن دخول اللام عليه. والمعنى: على التنائي لغيرُ مكفور عندي، والمراد: لا أجحدُ مودّةَ مَن وَدَّني غائبًا. وذلك أن هذا الشاعر يمدح الوليد بن عُقْبَةَ، وصف نعمة اختصّه بها مودّةً على تَنائيه وبُعْدِه عنه. ومن هذا المعنى قول الآخر [من الطويل]:

فليس أخِي مَن وَدَّني رَأْيَ عَيْنِه ... ولكنْ أخي مَن وَدَّنِي وهو غائِبُ (٢)

فإن قيل: الظرف منصوب بـ "مكفور" مخفوض بإضافةِ "غَيْر" إليه، ومعمولُ المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف؛ فالجواب عنه من وجهَيْن: أحدهما: أنَّه ظرفٌ، والظروفُ قد اتُّسع فيها ما لم يُتسع في غيرها، حتى أجازوا الفصلَ بها بين المضاف والمضاف إليه، نحوَ [من السريع]:

لله درُّ اليومَ مَن لامَها (٣)

والمراد: "مَن لامَها اليوم".

والوجه الثاني: أنّه إنما جاز ذلك, لأنّ "غَيْرًا" في معنى "لا" النافية، فكأنّه قال: على التنائي لَعندي "مكفورٌ" وما بعد "لا"، و"لَنْ"، و"لَمْ" من حروف النفي يجوز تقديمُ معمولِ منفيها عليها، وعلى هذا أجازوا: "أنت زيدًا غيرُ ضاربٍ" ولم يجيزوا "أنت زيدًا مثلُ ضاربٍ".

قال: ولو أخّرت الفضلة، فقلت: "آكِلْ لَطعامَك"، أو "إنّ زيدًا قائمٌ لَفي الدار"، لم يجز؛ لأن الفضلة تأخرت عن الجملة. وموضعُ اللام صدرُ الجملة، وإنّما أُخّرت إلى الخبر وما يقع موقعَ الخبر، فلا تؤخّر عن جميع الجملة رأسًا، فيكون بمنزلة اطراحها. ولو قلت: "إنّ زيدًا في الدار لقائمٌ"، جاز؛ لأن اللام لم تتأخر عن الجملة, لأنها داخلةٌ


(١) الكتاب ٢/ ١٣٤.
(٢) البيت لصالح بن عبد القدوس في ديوانه ص ١٣٠. ولا علاقة له بما نحن فيه من النحو، وإنّما جاء به الشارحُ لأنه في معنى البيت أبي زبيد المتقدِّم.
(٣) تقدم بالرقم ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>