نِطْعيّةٌ؛ لأنّ مبدأها من نِطْع الغار الأعلى، وهو وسطه يظهر فيه كالتحزيز، ثمّ الصاد والسين والزاي من حيّز واحد، وهو ما بين الثنايا وطرف اللسان، وهي أَسَليّةٌ؛ لأنّ مبدأها من أسَلَة اللسان، وهو مستدَقُّ طرف اللسان، وهي حروف الصفير.
والظاء والذال والثاء من حيّز واحد، وهو ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا، وبعضُها أرفعُ من بعض، وهي لِثَويّةٌ؛ لأنّ مبدأها من اللِّثَة، والفاء والباء والميم من حيّز واحد وهي الشفة، ويقال لها لذلك:"شَفَهيّةٌ"، و"شَفَويّةٌ"، فالفاء من باطن الشفة السُفلَى وأطرافِ الثنايا العُلَى.
وممّا بين الشفتين مخرجُ الميم والباء؛ إلَّا أنَّ الميم ترجع إلى الخياشيم بما فيها من الغنّة، فلذلك تسمعها كالنون؛ لأنّ النون المتحرّكة مُشْرَبةٌ غنّةً، والغنّةُ من الخياشيم. والواوُ أيضًا فيها غنّةٌ، إلَّا أنّ الواو من الجَوْف؛ لأنّها تهوى من الفم لِما فيها من اللين حتى تتّصل بمخرج الألف، كما أنّ الشين تتفشّى في الفم حتى تتّصل بمخرج اللام. وهذه الاتّصالاتُ تقُرِّب بعضَ الحروف من بعض وإن تراخت مخارجُها, فاعرفه.
[فصل [حروف العربية]]
قال صاحب الكتاب: ويرتقي عدد الحروف إلى ثلاثة وأربعين, فحروف العربية الأصول تلك التسعة والعشرون, ويتفرع منها ستة مأخوذ بها في القرآن, وكل كلام فصيح، وهي: النون الساكنة التي هي غنة في الخيشوم, نحو:"عَنْكَ", وتسمى النون الخفيفة والخفية. وألفا الإمالة والتفخيم, نحو:"عالم", و"الصلاة". والشين التي هي كالجيم نحو:"أشدق". والصاد التي كالزاي, نحو:"مصدر". والهمزة بين بين, والبواقي حروف مستهجنة, وهي الكاف التي كالجيم، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين, والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ أصل حروفِ المُعْجَم عند الجماعة تسعةٌ وعشرون حرفًا على ما هو المشهور من عددها. أوّلها الهمزة، ويقال لها:"الألف"، وإنّما سمّوها ألفُا؛ لأنّها تُصوَّر بصورة الألف، فلفظُها مختلفٌ، وصورتُها وصورةُ الألف الليّنة واحدةٌ، كالباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء، لفظُها كلِّها مختلفٌ، وصورتها واحدةٌ. وكان أبو العبّاس المبرّد يعدّها ثمانية وعشرين حرفًا، أوّلُها الباء، وآخرها الياء, ويدع الهمزة من أوّلها: ويقول: الهمزة لا صورةَ لها، وإنّما تُكْتَب تارةً واوًا، وتارة ياءً، وتارةً ألفًا، فلا أَعُدُّها مع التي أشكالُها محفوظةٌ معروفةٌ، فهي جاريةٌ على الألْسُن موجودةٌ في اللفظ، ويستدل عليها بالعلامات في الخطّ, لأنّه لا صورةَ لها.